يلام البدين دائماً على وزنه الزائد، ومسلسل «الملامة» يتخذ أشكالاً على مدار حياته، يبدأ منذ نعومة أظفاره، عندما يلاحقه أقرانه بالعبارات الساخرة. وفي سن المراهقة، يبدأ الإحساس بوضعه الحرج، فقدرة زملائه على لعب الرياضة والحركة بحرية تؤلمه. وعندما يشبّ، يجد أن عليه خفض وزنه في إطار الاهتمام بمظهره، لكن الأوان يكون قد فات. وفي ظل الضغط النفسي الذي يواجهه البدين، يساعده المجتمع ذاته على الوقوع في فخ البدانة والعجز على التخلص منها. وكيف ذلك؟ اختلاف نظرة الفرد والمجتمع إلى الوزن الصحي أو المفضل يحدد مدى إمكان الحفاظ على الوزن، فبعض المجتمعات تربط السمنة بالرخاء، بينما تسيطر على بعضها الآخر إيجابية النحافة. وتلعب قلة الوعي الأسري بعواقب البدانة دوراً مهماً في انتشارها. «الطقس» ونوعية الغذاء الشائعة يلعبان أيضاً دوراً، كما يحصل في السعودية، فدرجات الحرارة المرتفعة معظم أوقات السنة تعتبر عاملاً مؤثراً في الإحجام عن ممارسة الرياضة، في حين تُعتبر الأطعمة الدسمة التي يفضلها السعوديون العامل الرئيس في فرط البدانة. من الممكن الحفاظ على الوزن المثالي بالنسبة الى طول الشخص من خلال «معادلة الطاقة المتناوَلة مع الطاقة المصروفة». ولتقليل كمية الطاقة المتناولة ينصح استشاري التغذية ونائب الجمعية السعودية للغذاء والتغذية، الطبيب خالد المدني، بتحديد الأطعمة المحتوية على مقادير كبيرة من السعرات الحرارية وخصوصاً الدهون، وتمكن زيادة الطاقة المصروفة من خلال الانتظام في النشاطات البدنية، التي تؤدي إلى خفض الوزن (النحافة). يعاني الشخص البدين مشكلات اجتماعية ونفسية وجمالية وعضوية، منها صعوبة توظيف الشخص البدين أحياناً، أو استمراره في وظيفة تعتمد على الشكل والمظهر، فكثيرون يملكون انطباعاً بأن إنتاجية الشخص البدين أقل بكثير من إنتاجية الشخص الذي يتمتع بوزن مناسب، إضافة إلى أن تشخيص الأمراض المصاحبة للبدانة وعلاجها، يرتبان عبئاً مالياً على المريض، وعلى المرافق الصحية في الدولة. ويؤكد مختصون ان الشيخوخة المبكرة تظهر بنسبة أكبر لدى البدناء، مقدرين النقص في متوسط عمر البدناء بنحو 15 عاماً عن الفرد ذي الوزن السليم، وذلك نتيجة التعرض للإصابة بالأمراض. يعاني أيضاً البدناء من قلة الاستجابة الجنسية نتيجة الأسباب الجمالية والحواجز العضوية من ترسب الدهون. والنساء البدينات يتعرّضن لخلل في انتظام الدورة الشهرية، قد ينتج من اضطراب في التوازن الهورموني. ويعانين صعوبة الحمل، واضطرابات أثناء الولادة، وزيادة احتمال حدوث سرطانات الثدي والرحم والبنكرياس والمرارة، حيث يعمل تراكم بعض الدهون على استثارة الجينات المسببة للسرطان من طريق بعض الهورمونات الجنسية. ويوضح المدني الفارق بين زيادة الوزن والبدانة، فزيادة وزن الشخص عن الوزن المثالي ربما يكون سببها تضخم العضلات (الرياضيون مثلاً). ولكن في حال البدانة تكون الزيادة في نسبة الدهون في الجسم، مشيراً الى أنها تراكم السعرات الحرارية الزائدة عن حاجة الإنسان وخزنها على هيئة دهون تترسب في أماكن مختلفة تحت الجلد، مثل البطن والأرداف والمنكبين والذراعين، ما يؤدي إلى زيادة في الوزن عن المعدل الطبيعي. ويعزو المدني أسباب البدانة إلى الإفراط في تناول الأطعمة الخالية من القيمة الغذائية، مع ظهور أمراض العوز للفيتامينات والمعادن المختلفة، مشدداً على أهمية الاعتدال في تناول الدهون، والسكريات، والأطعمة ذات السعرات الحرارية المكثفة. ويقول: «لا توجد أطعمة جيدة وأطعمة سيئة بل توجد أنظمة غذائية جيدة وأخرى سيئة»، لافتاً إلى أهمية التفريق بين الأطعمة السريعة والأطعمة الخالية من القيمة الغذائية، حيث تعرف الأطعمة السريعة بأنها الأطعمة التي تُحضّر في بضع دقائق. وينصح المدني الأشخاص الذين يعانون البدانة بممارسة النشاطات الرياضية المناسبة بانتظام، والاهتمام بالعادات الغذائية الصحيحة التي تتمثل بالتنوع في تناول الأطعمة. ويؤثر القلق والإجهاد النفسي والتوتر في معدّل التمثيل الغذائي للدهون في الجسم، ما يدفع الفرد إلى تناول مزيد من الطعام للتخلّص من الضغط العصبي، كما يؤكد الدكتور المدني: «الزيادة في كمية الطعام تخزن في الجسم على هيئة دهون، ما يؤدي إلى البدانة، ويمكن التخفيف من حدّة التوتّر والحفاظ على التوازن النفسي من خلال الاهتمام بالنشاطات الاجتماعية وممارسة الرياضة البدنية المنتظمة والمتوسطة الشدّة، والاسترخاء مع أخذ حمام دافئ، ومشاركة من هم أهل للثقة في أي مشكلة، للحصول على المشورة والمساعدة، فإن مجرّد مناقشة المشكلة غالباً ما يخفف من التوتّر».