أعلم أنّ متوسّط العمر الإعلامي «لو صحّت التسمية» لإعلاميينا الرياضيين، هو في بدايته. وأنا هنا أتحدّث عن العمر «المهني»، الذي قضاه أي من هؤلاء الإعلاميين في عمل إعلامي خاضع للمقاييس الإعلامية المهنيّة المتعارف عليها عالمياً، متّخذاً من هذا العمل مهنة وحرفة يعيش عليها. ولا أتحدّث عن عدد السنوات التي قضاها معلّق رياضي ما خلف «المايك» عندما يفرغ من مكتبه العقاري، أو مقدّم برنامج رياضي، يعمل في أحد البنوك، أو حتّى مراسل قناة رياضية يأتي لعمله الإعلامي بعدما يدير شاحنات شركة والده. كل المهن المذكورة أعلاه، هي مهن شريفة ومحترمة، وهي على رأسي من فوق. ولكنّنا إن أردنا إعلاماً مهنيّاً بمعنى الكلمة، يجب أن يكون إعلاميونا متفرغين بشكل كامل، ليس للعمل في مجالهم الإعلامي فحسب، ولكن لتلقّي التدريب والتثقيف اللازم لهذه المهنة الحسّاسة والصعبة. وهذا التثقيف يتأتى عبر جرعات عمليّة وأكاديمية مكثّفة، وتتطلّب تركيزاً كاملاً من هذا الإعلامي، لكي يستطيع أن يصل للمستوى المنشود. قلّة التركيز والفوضى «المهنيّة» لكثير من إعلاميينا، تسببت لنا بكثير من الإحراج على وسائلنا الإعلامية المختلفة. سواء أكان قنواتنا الفضائية، أو حتّى على صفحاتنا الرياضية. لدرجة أن المشاهد، أصبح يتوقّع الكثير من الهفوات «وأحياناً السقطات» الإعلاميّة التي كثيراً ما تخرج لملايين المشاهدين وعلى الهواء مباشرة. وأنا هنا لا أتحدّث عن موضوع المراسلين الذي ذكرته في مقال سابق فحسب، ولكن هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن اختصارها في المثال الآتي: ففي أحد البرامج الحواريّة التي أجريت هاتفياً مع أحد رؤساء الأندية قبل أسابيع، كان مقدّم البرنامج «وهو شخص أحترمه كثيراً على المستوى الشخصي» في قمّة النرفزة والعصبيّة وهو يتعاطى مع ضيفه «رئيس النادي»، لدرجة أن مقدّم البرنامج كان قاب قوسين أو أدنى من أن يتوشّح بشعار ناديه المفضّل وعلى الهواء مباشرة، نكاية بضيفه! وكانت نبرة صوته تدل على أنّه في قمّة التوتّر! مع أنه من المفترض أن يكون ضيفه في هذا الوضع، وليس هو! بل وكان يرد على ضيفه بكلمات حادّة، كادت تقترب من درجة التجريح، بل والإهانة! مع أن الموضوع كان مجرّد خلاف في الرأي على موضوع تصنيف للأندية السعوديّة! كان على مقدّم البرنامج أن يحترمه ويتعامل معه «بمهنيّة»! ولكن عمره «المهني» الذي تحدّثنا عنه في البداية، لم يسعفه. مع أنّني متأكّد من أن هذا المقدّم، هو خامة ممتازة ليكون أحد أفضل الإعلاميين، لو تم احتواؤه بالطريقة الصحيحة. إعلامنا الرياضي، بل وغير الرياضي، يحتاج لمراجعة شاملة لكوادره وقيادييه الفرعيين. سواء من ناحية الكيف والكم. أو من ناحية عدد السنوات التي قضاها كل منهم على مقعده، أو من ناحية راحته النفسية والمعنوية في وظيفته. حتّى لو كان مهندس إضاءة، وليس فقط مذيعاً أو مخرجاً أو مدير محطة! وطالما أن الإعلام بدأ يشهد حركة تغيير ملحوظة على مستوى المملكة، لا بد من أن تكون البداية من الصفر، وعلى أسس صحيحة، حتّى لو تأخر البزوغ قليلاً. فليتأخّر البزوغ، ولا يبكّر بصورة مضعضعة، في عالم أصبح إعلامه لا يعترف إلّا بالمهنيّة فقط. [email protected]