هل يمكن أن تكون أمور مثل نظام الرعاية الصحية الأميركية، وسياسة الولاياتالمتحدة الأميركية مع إيران، ورد فعل هيلاري كلينتون إذا ما تم ترشيح منافستها سارة بالين للرئاسة، هي جل ما يشغل الفتيات والشباب في السعودية في لقائهن الأخير معها؟ الأسئلة التي دارت حول هذه المواضيع قد تكون مهيأة مسبقاً، كما توقع كثيرون، وربما تكون ما أمكن الإجابة عنه من بين آلاف الأسئلة التي لم تتح الفرصة لطرحها في اللقاء، والمؤكد أن تناول الصحافة العالمية للقاء خيب آمال الكثرة هنا ممن توقعن شيئاً ما في حوارها الوحيد مع العامة هنا أقوى من تبادل الضحكات والمعلومات التي يعرفها الجميع مع نائبة الرئيس الأميركي، هيلاري كلينتون، التي منحت بتعيينها في هذا المنصب الرفيع الأمل لآلاف النساء في المشرق والمغرب بمزيد من الحقوق والتنمية التي تعتبر بأنه لا هدف أسمى أو أهم في حياتها من تطوير حقوق النساء والفتيات في العالم، وتعتبر أن هذا الهدف أصبح بتعيينها ركناً أساسياً من السياسة الأميركية الخارجية. هذه المرأة لم تحقق في رأيي شيئاً من رسالتها الخاصة في زيارتها الأخيرة للسعودية، ولم تشتمل زيارتها حرصاً على مقابلة أي ناشطة محلية في أي مجال، ولا على أي تنويه أو دعم لأي من الحقوق التي تطالب بها الناشطات هنا للنساء والفتيات. الأسئلة التي طرحها طلبة الجامعات السعودية لا تعدو أن تكون ضرباً من الدردشة الديبلوماسية الخفيفة، بخلاف السؤال حول إيران وإسرائيل، وهو ليس مستغرباً، إذ انعكست زيارة كلينتون في الغالب على الترويج للمهمة التي انطلقت من أجلها وهي حشد وتأييد الدعم لأميركا ضد إيران لنشاطها النووي المتزايد. لم يكن هناك شيء على أجندة كلينتون في هذه الزيارة أكثر أهمية من شرح الموقف الأميركي ضد إيران «عليكم أن تسألوا أنفسكم لماذا يفعلون ذلك؟»، في إشارة إلى التسلح النووي الإيراني المتزايد، فيما لا تتوقع أن يسأل الحضور أنفسهم بالمثل لماذا تفعل إسرئيل ذلك؟ وهو ما قامت طالبة من المدرسة الهندية العالمية بسؤالها مباشرة عنه. كلينتون في زيارتها الأخيرة للسعودية لم تكن أكثر من مجرد موظف ديبلوماسي رسمي مكلف بإيصال رسالة مدروسة بإتقان، وأثبتت لنا هنا وهي الآتية إلى المنطقة في خضم المطالبات النسائية هنا بالمزيد من الحقوق كقيادة المرأة ومساواة المعلمات بالمعلمين في الأجور ومحاولات تقنين زواج الصغيرات، وتعيين النساء في محال البيع الخاصة بالمستلزمات النسائية، وتعديل نظام القضاء بما يسمح بمزيد من العدالة للنساء - إنها أبعد ما تكون عن عالمهن، فلم تصدر إشارة واحدة إلى أي من تلك المطالب البسيطة للنساء وغير المتحققة على أجندة زيارة كلينتون الرسمية، وبينما تبادلت الصحف العالمية أخبار الاستقبال وأنواع الأطعمة التي جربتها كلينتون والوفد المرافق لها لم يرد أي خبر عن هدفها الأساسي في الحياة الذي تعمل لأجله، ولم يبد لنا أن النساء هنا يشغلن أي ركن ولا حتى حجراً واحداً من السياسة الأميركية الخارجية، لم يعلق أي من الطلبة والطالبات على تساؤل كلينتون عن الصور النمطية السائدة عن المرأة السعودية في الإعلام الأجنبي، على رغم أنها أرادت أن تسمع آراءهن في الموضوع، وهو موضوع نمطي معتاد فقد معناه لكثرة ترديده، ومن الممكن أنها طرحت هذا التساؤل لإثبات دعم الرئاسة الأميركية لاختلاف الثقافات وأنماط الحياة، وهو ما يأخذه البعض على الدول الكبرى في سياساتها الخارجية، إذ تترك التدخل في مسائل مصيرية مهمة متعلقة بحقوق الإنسان بدعوى التعايش بين الثقافات ومراعاة الاختلاف. هل تفاءلت النساء كثيراً بوجود مسؤولة أميركية رفيعة المستوى في صناعة القرار العالمي؟ هل توقعن بشكل ما أن تصبح لقضايا النساء أولوية ما، أو أن يتم الدفع بمطالبهن إلى الخطوط الأمامية في اتفاقات العمل السياسي؟ أم كان حصول كلينتون على المنصب مرتهناً بشكل ما بتبعيتها لما يحكمه من قوانين وبروتوكولات، وليس بما تحمله هي شخصياً من أهداف أو قناعات؟ ليس التساؤل هنا بسبب التوقع العالمي من النساء أن تكون كلينتون بشكل ما، إضافة لمنصبها الرسمي، سفيرة ما للنساء ولتطوير أوضاعهن في العالم، ولكن لأن الولاياتالمتحدة أيضاً وحتى الآن لم تعلن عن تأييدها لاتفاق إزالة كل أشكال العنف ضد المرأة، التي تدخل عامها ال 30 بسبب الاعتراض في مجلس الشيوخ على حق المرأة في الإنجاب من عدمه، وتصبح الولاياتالمتحدة بذلك في المعسكر نفسه مع السودان وإيران والصومال، على رغم أن معاوني كلينتون يؤكدون أن إقرار الاتفاق هو من أهم أولوياتها السياسية، والتساؤل الذي طرحته كلينتون حول إيران هو نفسه المطروح عليها، فلن تتوقف النساء الآن في العالم عن التساؤل: لماذا تتقاعس عن هدفها في الحياة وهي التي تستطيع بواسطة منصبها أن تخدم قضايا النساء وتضع حداً لمعاناة غير مبررة، لماذا تفعل ذلك؟ * كاتبة سعودية - الولاياتالمتحدة الأميركية. [email protected]