يستمد الأطفال أفكار اللعب من معطيات العالم من حولهم سواء كانت إيجابية أم سلبية، وفي حين تعشق الإناث اللعب بالعرائس، والمطابخ المصغرة، وعلب الماكياج المصطنعة، يفضل الذكور من الأطفال، الألعاب القريبة مما يشاهدون على التلفزيون أو ما يجدون آباءهم أو أخوتهم يصنعونه، من لعب السيارات، إلى الألغاز، والألعاب الإلكترونية... في مخيم النازحين الواقع في منطقة جازان (جنوب السعودية)، أطفال تختلف لعبتهم عن غيرهم، فهم يلعبون لعبة «الحرب»، بعد أن نزحوا مع أسرهم من قراهم الحدودية هرباً من الموت، يلعبون متأثرين بالأحداث التي وقعت لهم خلال تصدي القوات السعودية للمتسللين المسلحين الآتين من اليمن. فضل الأطفال النازحون لعبة الحرب على أي لعبة أخرى وزعتها جمعيات خيرية، وانقسموا في جبهتين الأولى تمثل القوات السعودية والثانية تمثل المتسللين. أسلحتهم عبوات المياه المعدنية والرمل والحبال والعلب المطاط. ويشرح خالد طريقة إعداد الأسلحة: «نملأ علب المياه الفارغة بالرمل، ثم نربطها بأكياس ترمى على الجهة المقابلة». ويضيف: «تهبط العلبة كالمظلة، فعندما يمتلئ الكيس بالهواء تشبه إلى حد ما الإنزال المظلي». ويقول: «نستخدم الحجارة الصغيرة التي لا تضر والألعاب المطاطية، فيما تدور أحداث المعركة بين الخيم، وفي غالبية المعارك تكون الغلبة للجبهة السعودية». محسن يحب أن يجسد دور الجندي السعودي ويستعرض مهاراته القتالية على من يؤدي دور المتسلل المعتدي. ويقول: «لعبة الحرب بين الخيم لم تتدخل فيها الأسلحة الحادة، لأنهم يعلمون انها مجرد لعبة، ويكتفى في اللعبة بما يسمح به القائد وقانون اللعبة، مثل الحبال وكرات الرمل في حال تم أسر أحد الجنود». وتأخذ عبدالله الحيرة بين هوس اللعبة والحلم بحصوله على جائزة من خلال حضور المهرجانات التي تتزامن مع موعد اللعبة، لكنه ينصاع لأمر القائد في غالبية الحالات بصفته جندياً كما يقول. تقول الاختصاصية الاجتماعية دلال السالم: «اللعب التمثيلي من الأنشطة التي يقوم بها الأطفال في محاولة منهم لتقليد الكبار، وتقمص شخصياتهم وأدوارهم وأساليبهم في التعامل والتعاطي مع الآخرين، وكثيراً ما يبدأ هذا النشاط لدى الأطفال ويكون نشطاً في مرحلة ما قبل المدرسة، مع أنه مصنف كنشاط تعليمي يمارسه الأطفال في الدول المتقدمة كنوع من التعبير عن أنفسهم وقدراتهم، وكثيراً ما يساهم في نموهم العقلي والاجتماعي». وتضيف: «يتناقش الأطفال خلال اللعب ويتفقون ويختلفون في ما بينهم، ومن خلاله يمتلكون القدرة اللغوية، ويتغلبون على المواقف السيئة، ويتقبلون بعضهم وتتطور قدراتهم العقلية ويصبحون أكثر تقبلاً للنجاح أو الفشل، كما تتطور ملكة التفكير المرن لديهم، وتتوسع لديهم القدرة على التفكير والاختراع والابتكار». وترى السالم أن ما يقوم به هؤلاء الأطفال «أمر طبيعي جداً، فهم محاطون بهذه الأجواء ولعبة الحرب، هي ما تحوم حول عقولهم الصغيرة، فأصبح من الطبيعي جداً أن تكون هذه الفكرة مسيطرة عليهم، خصوصاً أنهم يشعرون بطعم الفوز والانتصار والغالب والمغلوب. وتعتبر أن هذا الأمر عادياً لمن يتعرض لويلات الحرب في أي بلد كان».