اتخذ المعرض الدولي للكتاب في الدارالبيضاء هذه السنة شعارَ «مغاربة العالم» لأن الثقافة المغربية بحسب وزير الثقافة بنسالم حميش «لا تنحصر داخل الحدود الجغرافية للبلاد»، ولهذا فإن هذه الدورة كان لها أن تشهد حدثاً متميزاً يتمثل في الاحتفاء بأسماء ثقافية مغربية في العالم المهاجر، من خلال ندوات وموائد مستديرة ولقاءات مباشرة مع عدد من الأسماء التي مَنَحتْ المغرب امتداداً ثقافياً في المهاجر القريبة والبعيدة. وكذلك من خلال معرض مهم للكتب الصادرة لنخبة من مثقفي المهجر. أما الوزير المكلف بالجالية المغربية في الخارج فقال إنه «لما حضرتنا فكرة جعل الهجرة ضيف شرف المعرض الدولي السادس عشر للكتاب، كان هدفنا، نحن وشركاؤنا في مجلس الجالية المغربية المقيمة في الخارج ووزارة الثقافة، هو منح المبدعين المهاجرين من عالم الثقافة فضاء وإطاراً نعبّر فيه عن امتنانا لهم»... وضمّ برنامج المعرض العديد من الندوات والأنشطة، أُلغي معظمها لعدم تعويض الكتّاب عن المشاركة، وتمّ تنظيم بعضها، مثل ندوة الأدب الشعبي الحساني الذي تناولتْ بالدرس والتحليل التعبيرات الثقافية المنتمية إلى منطقة الصحراء، وكذلك الندوة الافتتاحية للمعرض، التي تحدّث خلالها رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق دومينيك دوفيلبان والذي أكّد أن «الثقافة تثير فينا روح المشاطرة والتبادل، وتفترض روح العيش المشترك داخل أمة ومجموعة واحدة... إن ما يعطي معنى للحياة هو الثقافة». وقال دوفيلبان في محاضرته التي كان موضوعها «الثقافة من أجل الحياة في عالم اليوم» إن «الثقافة - وبخاصة الشّعر - ضرورية في زمن التدهور، لأنها تصبح مقاومة في مواجهة الحتمية والخوف». واعتبر أنّ في عالم اليوم، الذي يعرف أزمات متعددة، تصبح الثقافة ملحّة، مؤكداً ضرورة العمل والتحرر والاختيار بحثاً عن حياة ممكنة. وعلى خلاف الأنشطة التي شارك فيها «مغاربة» الداخل، والتي عرفت الارتباك والمقاطعة والاحتجاج طوال فترة المعرض، تمّ تنظيم بعض الأنشطة المقررة في رواق مجلس الجالية في الخارج، وعمد الشاعر المغربي طه عدنان مع الشاعر الجزائري حرز الله بوزيد في أمسية شعرية مشتركة في الرواق الى نقد الوضع القائم بين الجزائر والمغرب والمتمثل في إغلاق الحدود. ودعا الشاعران إلى فتح الحدود مهدّديْن بتنظيم أمسية شعرية على الحدود. وكان النصيب الأوفر في المعرض هذه السنة، لمغاربة العالم، من خلال كتبهم الجديدة المترجمة الى العربية التي تكفّل مجلس الجالية في الخارج طبعها، فصدر لماحي بنبين كتاب «غفوة الخادم» ترجمه عبدالهادي الإدريسي وصدرت رواية «الفضائل القذرة» لكبير عمي مصطفى ترجمة عبدالكريم جويطي، وصدر للشاعر طه عدنان ديوان « أكره الحب» ترجمة سهام بوهلال. وأصدرتْ وزارة الثقافة خلال المعرض بعض الأعمال الأدبية والنقدية من بينها كتاب الناقد المغربي عبدالرحمن التمارة «جمالية النص القصصي المغربي الراهن» وقد تناولَ فيه بالدرس والتحليل العديد من النصوص القصصية المغربية لأجيال مختلفة. لكن وزارة الثقافة لم تستدعِ أصحاب هذه الأعمال لتوقيعها في المعرض كما جرت العادة... ونشطت حركة النشر لدى الدور المغربية الفتية مثل دار التنوخي ودار التوحيدي اللتين سطع نجمهما خلال الفترة الأخيرة وأصبحتا قبلة الكتاب المغاربة الباحثين عن نشر أعمالهم. وضمّ رواقهما العديد من المجاميع القصصية الجديدة إضافة إلى منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة التي كان آخرها مجلة «قاف صاد» المتخصصة في القصة القصيرة. وأصدرت دار توبقال كتباً فلسفية وفكرية جديدة من بينها كتاب «امتداح اللافلسفة» لعبدالسلام بنعبدالعالي، وكتاب «في تحولات المجتمع المغربي» لمحمد سبيلا وديوان «نحن النوافذ» لمحمود عبدالغني وكتاب «الضحية وأقنعتها» لعبدالله حمودي الذي اعتُبِر لدى الدار بين الكتب الأكثر مبيعاً... كان الأطفال أيضاً هذه السنة نجوم معرض الكتاب، وعرف المعرض حركة بيعٍ نشطة خصوصاً في الأيام الأخيرة، وهو ما أكّده العديد من الناشرين الذين ظلوا يوقّعون عقود أعمال جديدة مع مؤلفين مغاربة. وشوهدت قوافل من الأطفال تزور المعرض وتقتني الكتب في كل اتجاه، وساعد على تسهيل حركتها، الأروقة الواسعة التي ساعدت على تجاوز الزحام. لكن الأمر اللافت في هذه الدورة هو غياب الكتّاب المغاربة ومقاطعتهم لمعظم أنشطة المعرض، إثر خلاف مع وزارة الثقافة حول التعويضات المالية التي يتلقاها الكتاب عادة لقاء مشاركتهم في الندوات. وعندما اكتشف الكتاب غياب هذه التعويضات التي تمنحها الوزارة مقابل تنقّل الكتاب بين مدنهم والدار البيضاء بادروا إلى الاحتجاج في أشكال مختلفة، خصوصاً أن بعضهم يقيم في مدن بعيدة من الدار البيضاء. تناقل الجميع الخبر وفضّل بيت الشعر في المغرب واتحاد الكتاب والائتلاف المغربي للثقافة والفنون مقاطعة كل الندوات، وهذا ما جعل بعض المتتبعين والقراء يفاجَأون بالارتباك الواضح عند حضورهم الندوات، وجوبهوا على الدوام بالكراسي الفارغة والصمت المطبق. ولعل التراجع عن الإعلان عن نتائج جائزة المغرب للكتاب التي تسرّبت بعض الأسماء الفائزة بها، لم يرق الكثير من الكتاب على رغم المؤاخذات الكثيرة التي أحاطت الجائزة، وزاد في تأزيم الوضع الخبر الذي تناقله الجميع حول نية الوزارة إلغاء المجلة الورقية اليتيمة «مجلة الثقافة المغربية» التي تُصدر في شكل غير منتظم وتعويضها بمجلة الكترونية. غاب الكتاب المغاربة إذاً وانزووا في الظل تاركين ما يُفترض أن يكون عرسهم الثقافي يسير بضجيجه وحركته من دون حضورهم، وفي اليوم ما قبل الأخير اجتمع بعض الكتاب المغاربة في أحد الأروقة لمناقشة الكثير من القضايا الثقافية وعبّروا عن انتقادهم للوضع الثقافي في المغرب داعين إلى إنشاء مرصد أو نقابة تهتم بقضايا الكتاب المغاربة في ظل غياب إطار قوي يهتم بمصالحهم، مؤكدين أن المسألة لا تتصل فقط بالتعويض، بل تشمل الاهتمام بإشكالات الثقافة المغربية التي ينبغي نقاشها بصراحة، مثل الحديث عن وضع القراءة بالمغرب وعن الوضع الاعتباري للكاتب المغربي الذي أصبح في مهب النسيان، وكذلك المسافة الموضوعية التي ينبغي على وزارة الثقافة اتخاذها، لتكون شريكاً حقيقياً يساهم في تطوير الوضع الثقافي بالمغرب. وفي الرباط، خلال أيام المعرض، شارك الكاتب المغربي الشهير عبداللطيف اللعبي في أحد اللقاءات الثقافية، فقال: «إن الثقافة في المغرب ورشة كبيرة»، ولهذا «ينبغي إما تحويل وزارة الثقافة إلى وزارة دولة وإعطاؤها أهمية كبرى وتحسين أدائها، أو إلغاؤها» وظهر الكاتب الشهير الطاهر بنجلون حائز جائزة «غونكور» وهو ينتقد الوضع الثقافي في المغرب ويشرّحه بحكمة الخبير في مثل هذه القضايا. لكن الجملة الأكثر وقعاً في النفس هي تلك التي قالها اللعبي في برنامج تلفزيوني أذيع بالموازاة مع معرض الكتاب، حيث أكد بمرارة «أن اليأس على الأبواب».