تشكل العملة الموحّدة، في منطقة إقليمية، قوّة مالية واقتصادية، تبرز قوّتها في الأزمات الكبرى، فتنأى «مناطقها» عن أخطار تدهمُ عملات البلدان الفقيرة. وتستفيدُ «مناطق العملة الموّحدة» من ميزاتٍ تجارية في أيام السلم، وتوزيعٍ عادل لمستويات الازدهار والنمو، فيما تلعبُ دور «الواقي» في الأزمات. وإذا كانت مناطق إقليمية، في أميركا اللاتينية وآسيا المحيط الهادئ ودول الخليج العربي تسعى إلى اعتماد «عملات موحدة»، فإن أعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تستفيد بعد من إيجابيات وحدة النقد «اليورو». فقبل مدة، نصح صندوق النقد الدولي دول أوروبا الشرقية في الاتحاد الأوروبي، الانضمام إلى منطقة اليورو، من اجل أن تتفادى تدهور قيم عملاتها وتالياً اقتصادها. ويدرك صندوق النقد جيّداً أهميّة استقرار قيم العملات، وسط الدفق اليومي من الاستثمارات في أسواق المال والمنافسة بالعملات، بعدما صار الاستثمار في أسهم الشركات والمؤسسات العالمية مجازفةً كبرى، وأسعار المعادن لا تؤمن ثقة كافية ما لم ترتبط بازدهار اقتصادي يزيد الطلب عليها، وفي ظلِّ تحوّل الاستثمارات اليومية إلى أسواق الذهب والعملات. وكلما ارتفع سعر الدولار انخفض سعر الذهب والنفط والعملات المقابلة، والعكس يصح عندما تنخفض العملة الأميركية. وجليٌّ أن الأزمة الاقتصادية والمالية قادت إلى خفض قيم عملات البلدان الأكثر ضعفاً، وتسبب الانخفاض بدوره في توسيع بساط الأزمة وغذّى المنافسة ضد العملات. وعرفت بلدانٌ أوروبية مثل هذا الوضع في الماضي نتيجة أزمات اقتصادية ومالية ارتبطت بإفراطِ في المديونية العامة، مثل المملكة المتحدة عامي 1976 و1994 وإيطاليا 1992. وفي كل حالة، تترافق أزمة الصرف مع ركود وتجعل ضرورياً دعم المالية العامة المتخاذلة. فهنغاريا تواجه حالياً مثل هذه الأزمة، فارتفاع مستوى دينها العام وضعف عملتها الوطنية «الفورين» أجبراها على طلب مساعدة صندوق النقد والبنك المركزي والأوروبي. ومن الدروس الإيجابية لأزمة المال العالمية، أن اليورو عامل حماية في منطقته، وُجِدَ بحقٍ من أجل تفادي أزمات الصرف، وتفادي تكرار تخفيض قيمة النقد التي تحول دون العمل السليم للسوق الداخلية وتكبح النمو الأوروبي بتقوية التضخم قبل تكوين الوحدة الاقتصادية والنقدية. من هنا يُظهر اليورو جدواه. وكان يُحتمل أن تعرف بلدانٌ في منطقة اليورو حالياً، أزمة صرف لو لم تكن منتمية إليها. فالأمر يتعلّق بدولٍ دينها العام مرتفعٌ مثل إيطاليا واليونان وبلجيكا، أو لديها عجزٌ مزدوجٌ مثل إيرلندا، إسبانيا، البرتغال واليونان وفي درجة أقل فرنسا، وهو عجزٌ في الموازنة العامة وعجزٌ في ميزان المدفوعات. فمنطقة اليورو غير معرّضة على ما يبدو لأزمة صرف، لأن مستويات الدين العام والعجز العام في الموازنات ورصيد ميزان المدفوعات الجاري، هي حالياً مستويات معقولة قياساً إلى ظروف الأزمة. وتُدرك البلدان غير المنضوية إلى منطقة اليورو مدى الاستقرار الذي تؤمنه العملة الموحّدة. بخاصةٍ أن وضعها يثير القلق نظراً إلى ضعف عملاتها وتعرّضها إلى أخطار أزمة الصرف، التي أصابت مصارف غربية أسست فروعاً لها في تلك البلدان. فالبلدان حيث يرتفع العجز المزدوج، مثل ليتونيا، أستونيا، لتوانيا هنغاريا ورومانيا، وبمستوى أقل المملكة المتحدة، وبولونيا معرّضة لأزمات اقتصادية بعد أن تدهورت قيمة عملاتها بقوة. ومقارنةً مع ما كانت ملاءة تلك العملات في آب (أغسطس) 2007، فَقَدَ «الفورين» الهنغاري 17 في المئة، «الزلوتي» البولوني 20، الجنيه الإسترليني 23، «اللو» الروماني 26 في المئة، فيما لم يفقد اليورو أكثر من ستة في المئة. وعلى رغم أن بلدان البلتيك ثبّتت قيمة عملتها تجاه اليورو، لكن يحتمل أن ترغم على خفض سعر الصرف. وتتعاظم المجازفة مع اتساع دائرة المنافسة العالمية في أسواق العملات. لأن المنافسة في سوق القطع، تتميّز بازدواجيةٍ، نظراً إلى تعارض العملات. وتطوّرت سوق العملات بنحو 26 في المئة سنوياً بين 1988 و2007، بالغةً 3.2 تريليون دولار (نيسان/ أبريل 2007)، وارتفعت 14 في المئة بين 2007 و2008، ويُقارب حجمها اليوم 4 تريليونات دولار يومياً، (يقدرها بنك التسويات الدولي بنحو 3.98 تريليون دولار)، منها 1714 بليوناً في النقد، تتسبب بتغييرات يومية، نتيجةً لحجم الطلب والعرض، وبهدف تحقيق أرباح سريعة أو تصفية مراكز. وإذا أخذ في الاعتبار حجم الدولار من هذه السوق 43 في المئة واليورو 18.5 في المئة، والين 8.5 في المئة والجنيه الإسترليني 7.5 في المئة، تتبيّن أهمية هذه العملات كأداة منافسة يومية، ومدى أهميّة أن تحظى العملات الضعيفة بمظلة قوية، مثل الدولار أو اليورو. من هنا دعوة صندوق النقد دولاً أوروبية إلى الالتحاق بمنطقة اليورو، وتالياً التمهيد لقيام «مناطق ذات عملاتٍ موّحدة».