بقرار رئاسي انتهت الجولة السادسة من الحرب المشتعلة في محافظة صعدة شمال غربي اليمن بين الجيش و «المتمردين» الحوثيين، والتي تعد الأخطر في تداعياتها الإقليمية والدولية، والأكثر عنفاً وضراوة في مواجهاتها التي شملت كل مناطق ومديريات محافظة صعدة وامتدت لتشمل محافظتي عمران والجوف، قبل أن تتوسع شمالاً لتصل إلى الأراضي السعودية مطلع تشرين الأول (نوفمبر) الماضي. وعلى رغم تكتم الحكومة اليمنية على مجريات المعارك في جبهات القتال طيلة مدة الحرب، وعدم تمكن وسائل الإعلام المحلية والخارجية من الوصول إلى مصادر محايدة والحصول على معلومات دقيقة في شأن سير المعارك وخسائرها البشرية والمادية، إلا أن الكثير من المعطيات الميدانية والمصادر المحلية تؤكد أن هذه الجولة خلفت عدداً كبيراً من الضحايا، سواء في صفوف القوات الحكومية والحوثيين أو المدنيين. وتقول مصادر محلية تحدثت إلى «الحياة» إن الدمار والخراب كان كبيراً في هذه الجولة التي استمرت ستة أشهر متواصلة، وأنها تسببت في تشريد ما يزيد عن 200 ألف يمني وفقاً لتقديرات المنظمات الدولية التي أصدرت تحذيرات عدة تتحدث عن تفاقم الأوضاع الإنسانية في مخيمات النازحين. قرار وقف القتال الذي أصدره الرئيس علي عبد الله صالح مساء الخميس الماضي، استند في حيثياته إلى قبول قائد التمرد عبد الملك الحوثي بالنقاط الست التي وضعتها السلطات اليمنية كشرط لوقف عملياتها العسكرية ضد الحوثيين، وهي: الالتزام بوقف إطلاق النار وفتح الطرقات وإزالة الألغام والنزول من المرتفعات وإنهاء التمترس في المواقع وجوانب الطرق، والانسحاب من المديريات وعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية، إعادة المنهوبات من المعدات المدنية والعسكرية اليمنية والسعودية، إطلاق المحتجزين لديه من المدنيين والعسكريين اليمنيين والسعوديين، الالتزام بالدستور والنظام والقانون، والالتزام بعدم الاعتداء على أراضي المملكة العربية السعودية الشقيقة. اليمنيون استقبلوا قرار الرئيس صالح وما قابله من توجيهات أطلقها عبد الملك الحوثي لأنصاره في كل جبهات ومحاور القتال بإيقاف إطلاق النار، بمواقف متباينة، غير أن الكثير منهم عبّروا عن شكوكهم في قدرة السلطات والحوثيين على التوصل إلى وقف دائم لهذه الحرب. فإيقاف القتال في هذه الجولة كما في سابقاتها تم باتفاق ولجان ووساطات ومفاوضات، ما يعزز الاعتقاد بأن هذا التوقف سيكون بمثابة استراحة محارب، يلتقط فيها كل طرف أنفاسه استعداداً لجولة سابعة يعتقد أنها ستكون أكثر دموية وخطورة. ورأى يمنيون تحدثوا إلى «الحياة» أن قوات الجيش فشلت في وضع حد نهائي للتمرد الحوثي من خلال حسم هذه الحرب عسكرياً لمصلحتها، وأشاروا إلى أن الحرب في كل جولاتها كانت تتوقف في الوقت الذي يكون الحوثيون على وشك الانهيار والاستسلام، الأمر الذي يتيح لهم الفرصة لإعادة ترتيب صفوفهم والعودة إلى المواجهة. وأكدت ل «الحياة» مصادر يمنية غير حكومية أن قرار إيقاف الحرب فجر خلافاً حاداً داخل المؤسستين العسكرية والأمنية في اليمن، وأوضحت المصادر أن المعارضين للهدنة يرون «أن قرار وقف الحرب يمثل هزيمة للجيش الذي قدم تضحيات جسيمة في سبيل القضاء على التمرد ونصراً للحوثيين الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الانهيار ما دفعهم للقبول بشروط السلطات الحكومية»، كما يرى هؤلاء أن قرار وقف الحرب «لا يمكن أن ينهي في شكل قاطع التمرد الحوثي على الدولة»، منوهين إلى أن النقاط الست التي اشترطتها السلطات اليمنية لوقف الحرب وقبلها الحوثي «تمثل تراجعاً كبيراً عن اتفاق الدوحة الثاني ما يعكس ضعفاً في موقف السلطة». في المقابل، تشير بعض التحليلات إلى أن السلطات اليمنية هدفت من خلال إعلان الهدنة مع المتمردين «الحوثيين» في الشمال إلى التفرغ لمواجهة تنظيم القاعدة ومعالجة قضايا الأزمة المتصاعدة في الجنوب، مع اتساع الاحتقان في أوساط المواطنين في المحافظات الجنوبية، وهو ما استدعى من النظام اليمني إرسال نائب الرئيس برفقة خمسة من الوزراء إلى هذه المحافظات منذ أيام لمتابعة سير الإدارات الحكومية واستئناف العمل في مشاريع خدمية عدة كانت توقفت بسبب أعمال العنف والفوضى التي تتهم جماعات ما يسمى «الحراك الجنوبي» بالوقوف وراءها. ويرى سياسيون أن قرار الرئيس صالح بإيقاف القتال في صعدة يمثل إعلاناً رسمياً بانتهاء الجولة السادسة، أما توقف الحرب توقفاً دائماً وإعادة السلام إلى محافظة صعدة، فلا يزال في حاجة إلى الكثير من الجهود والضمانات. ويعتقد عضو البرلمان اليمني عبد الرزاق الهجري أن إعادة السلام الدائم إلى محافظة صعدة «أمر مرهون بجدية الحكومة اليمنية والحوثيين، وتوافر عامل الثقة بينهما»، وقال الهجري في تصريح إلى «الحياة» أن إيقاف الحرب «أمرٌ ايجابي، لكن الأهم هو معالجة أسبابها وما خلفته من آثار»، واستدرك الهجري، الذي كان عضواً في لجنة الوساطة المكلفة تطبيق اتفاق الدوحة عام 2007 بين الحكومة اليمنية والحوثيين، «قبل أي خطوة أخرى يجب الإعلان بوضوح عن أسباب نشوب هذه الحرب العبثية حتى تجرى معالجتها». غير أن رئيس دائرة الفكر والثقافة والإعلام في حزب رابطة أبناء اليمن «رأي» محمد جسار محسن فيستبعد تجدد القتال بين الجيش والحوثيين، قائلاً في حديثه إلى «الحياة»، «لا أتصور أن جولة جديدة من هذه الحرب ستأتي، لأن أية قراءة علمية موضوعية لحاضر ومستقبل اليمن تقول بأنه لم يعد في الزمن متسع لهذه الجولة، والمتاح في الزمن محدود جداً لا يتعدى خيارين: إما السير بخطى سريعة وقويمة في مسارات الإصلاح الشامل، أو الدخول في حالة انهيار شاملة ستكون مشكلة صعدة مفردة صغيرة ضمن مكوناتها وتداخلاتها». ويعتقد جسار أن المُعطى الدولي يقف خلف قرار وقف الحرب وأنه ثمرة من ثمار الإرادة الإقليمية والدولية التي اصطفت لإنقاذ اليمن من الانزلاق إلى فاجعة الفوضى المطلقة، وقال: «هذا القرار قطرة أولى في غيث استحقاقات والتزامات مؤتمر لندن حول اليمن ناهيك عن أن بعض القراءات الإيجابية ترى أن السلطة الحاكمة ربما تكون قد استوعبت دلالات اللحظة الراهنة ومخاطر عدم التعامل الجاد مع استحقاقاتها، وبالتالي فهي تجتهد لتكون غير بعيدة من مسار مخرجات مؤتمر لندن، وخطة البنك الدولي التي رسمت لإنقاذ اليمن وإرساء أسس صلبة لأمن واستقرار الإقليم». أبناء محافظة صعدة وهم الأكثر تضرراً من هذه الحرب التي اشتعلت شرارتها الأولى منتصف العام 2004 لديهم مخاوف أخرى بعيدة من حسابات السياسيين، وعودة السلام إلى محافظة صعدة في نظر الكثير منهم لا تتحقق بقرار وقف المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين فحسب، ولكن هناك قضايا أخرى أكثر خطورة تحتاج إلى معالجات جذرية، ويقول مواطن يمني من محافظة صعدة ل «الحياة» إن انقسام السكان المحليين أنفسهم في عدد من المناطق التابعة لمحافظة صعدة ووقوف بعضهم في صف الحوثيين والبعض الآخر في صف القوات الحكومية، قد زرع خلافات حادة بين أبناء المنطقة الواحدة يصعب معالجتها بقرار رئاسي. ويرى أبناء المنطقة أن هذه القضية من أهم وأخطر القضايا التي ستواجه محافظة صعدة وتحول بينها وبين السلام والأمن، على المدى القريب والمتوسط على الأقل، حتى وإن تم الاتفاق بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وهو الأمر الذي لا يزال محل شك في الوقت الراهن، وطالبوا السلطات اليمنية «بعدم إغفال هذه القضية الخطيرة والعمل على عقد لقاءات مصالحة بين مختلف الأطراف، على أن تتحمل الحكومة تكاليف التعويضات ودفع الديات لأهالي القتلى الذين سقطوا في المواجهات سواء ممن كانوا في صف القوات الحكومية أو مع الحوثيين». وطبقاً لمراقبين للشأن اليمني، فإن السلطات اليمنية تواجه تحديات كبيرة قبل أن تتمكن من إعادة الأوضاع في محافظة صعدة إلى سابق عهدها قبل الحرب، وفي مقدمة تلك التحديات التوصل إلى عقد مصالحات تجنب الكثير من المناطق اليمنية اللجوء إلى الثأر والانتقام الذي سيفتح الباب واسعاً لنشوب حروب عديدة، صغيرة في حجمها، وكبيرة في خطورتها، بالإضافة إلى إعادة إعمار ما دمرته الحروب الست سواء في المساكن والمزارع والمنشآت الخاصة، أو المرافق الخدمية والمنشآت العامة، وإعادة الحياة إلى طبيعتها بخدمات المياه والكهرباء والهاتف والطرقات والخدمات التعليمية والطبية التي توقفت تماماً، وهي مهمات في حاجة إلى وقت طويل وأموال ضخمة. وكان رئيس الحكومة اليمنية الدكتور علي مجور قدر الخسائر المادية إلى ما قبل الحرب السادسة بأكثر من 150 مليار ريال، ناهيك عن التوقف الكامل لبرامج التنمية، وقالت مصادر حكومية يمنية ل «الحياة» إن عملية حصر المنشآت والممتلكات العامة والخاصة التي تضررت أو دمرت أثناء المواجهات المسلحة بين الجيش والحوثيين في الجولات الخمس بلغ (9730) منشأة عامة وخاصة، منها (9308) منشئات خاصة، شكلت في معظمها منازل المواطنين التي بلغ عددها (7529) منزلاً، ثم المزارع وآبار وخزانات المياه والمحال التجارية، و(422) منشأة عامة جاءت في مقدمها المساجد بعدد (287) مسجداً، ومدارس ووحدات صحية وأقسام شرطة ومقار المديريات، غير أن مصادر محلية في محافظة صعدة أكدت أن هذا الإحصاء غير دقيق ولم يشمل كل مناطق المواجهات. وقالت المصادر ذاتها أن امتداد رقعة المواجهات في الجولة السادسة إلى أماكن لم تصلها الجولات السابقة، ضاعفت هذه الأرقام. الشرارة الأولى وكانت الشرارة الأولى للمواجهات المسلحة بين القوات الحكومية و «تنظيم الشباب المؤمن» بقيادة حسين بدر الدين الحوثي اشتعلت في 18 حزيران (يونيو) 2004 لتشمل العديد من مديريات ومناطق محافظة صعدة أهمها جبال مران وهمدان ووادي نشور. وجاءت هذه المواجهات في أعقاب حملة منظمة لعناصر تنظيم «الشباب المؤمن» الذين كانوا ينتشرون كل يوم جمعة في مساجد عدد من المحافظات والمدن اليمنية وفي مقدمها العاصمة صنعاء، وخصوصاً الجامع الكبير الذي تنقل الفضائية اليمنية منه وقائع صلاة الجمعة لترديد شعار «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام»، وهو الشعار الذي سبب للسلطات اليمنية الكثير من الحرج أمام الولاياتالمتحدة التي طلبت رسمياً عبر سفيرها في صنعاء إيقاف التحريض ضدها عبر المنابر الإسلامية، الأمر الذي دفع أجهزة الأمن إلى اعتقال المئات من عناصر التنظيم لرفضهم التخلي عن ترديد الشعار. وفي الوقت ذاته كان حسين الحوثي - الذي ينتمي الى الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) ويشغل أحد مقاعد البرلمان عن الحزب ذاته ويتلقى دعماً حكومياً لمصلحة «تنظيم الشباب المؤمن» وفتح العديد من المدارس بهدف مواجهة الحليف القديم للسلطة (التجمع اليمني للإصلاح) الإسلامي وكسر شوكته - كان يجمع التبرعات من أنصاره ويقوم بشراء الأسلحة والذخائر وبناء التحصينات وحفر الخنادق في جبال مران وعدد من المناطق في محافظة صعدة بعيداً من أعين السلطات اليمنية، استعداداً لمواجهة القوات الحكومية في أول جولة من جولات الصراع، استمرت قرابة ثلاثة أشهر وانتهت في10 أيلول (سبتمبر) 2004 بمقتل زعيم التمرد حسين الحوثي.