على رغم تفضيل الشاب خالد قاسم، ارتداء البنطلون والقميص، إلا أنه يتردد غالباً في ارتدائهما حين يذهب إلى المجالس المسائية التي يحضرها خليط أجيال بعضهم من الشبان وبعضهم الآخر من الكبار في السن. والسبب في عزوفه عن ارتداء ما يحلو له يعود إلى أنه لا يريد أن يتهم «بالخروج عن حظيرة القبيلة وعاداتها وتقاليدها». وتلاحق الكثير من الشباب السعوديين، تهمة «هدم قيم المجتمع وعاداته وتقاليده»، لمجرد الإقدام على تصرفات عادية لكنها قد تبدو جديدة على جيل الآباء. ويرفض الشبان والفتيات هذه التهمة، مشيرين إلى أن تصرفاتهم ليست سوى «مواكبة لتطور الزمان». وفي الواقع لا تخرج هذه الاتهامات والردود عليها عما يسمى «حراك الأجيال»، وإن كانت تثير حساسية الشباب الذين يرون فيها «اتهاماً مستمراً وشكاً دائماً وبوابة لدخول صراع نفسي مستمر». ويقول قاسم إن «الحكم على الجيل الحالي من خلال شكله واعتباره تمرداً على الماضي أمر مضحك مبك، ولكننا نسمعه على الدوام، فلو أراد شاب أن يتمشى وهو يرتدي ملابس رياضية على سبيل المثال، اعتبر على الفور غير سوي، بل قد يتهم في أخلاقه وسلوكه، والأمر لا يقتصر على الملابس، بل يطاول علاقاته الاجتماعية». وإذا كان العرسان في السعودية يرتدون الثوب والشماغ والعقال و «البشت» (العباءة)، في ليلة الاحتفال بزفافهم، فإن منصور عبدالعزيز، صدم المحتفلين بدخوله القفص الذهبي، بارتداء بدلة رسمية. يقول عبدالعزيز: «كانت صدمة لكثير ممن حضروا، ولكنني لا أجيد ارتداء ما تعارف الجميع على ارتدائه، وخصوصاً الشماغ والعقال اللذين لا يثبتان على رأسي مهما حاولت، وقد باءت محاولاتي المتكررة للتدرب عليهما بالفشل، ولم أتقبل في ليلة عرسي أن يبدو مظهري مضحكاً حين يميل الشماغ إلى اليمين والعقال إلى اليسار، لذا قررت ارتداء البدلة الرسمية التي اعتدت على مدى سنوات على ارتدائها، حتى لو قوبل تصرفي هذا بالرفض». ولا يبالي هذا الشاب بتهمة «الخروج عن العادات والتقاليد» التي توجه إلى الشبان، بل يؤكد: «نصنف بأننا المشكلة، لكننا نرى في أنفسنا الحل، والمشكلة تكمن في موروث من يطلقون هذه الأحكام علينا. ثم لماذا يحكم علينا بأننا مخالفون للماضي مع أن هذا الماضي نفسه كان مخالفاً للزمن الذي سبقه؟ اتهامات الأجيال لبعضها سلسلة لا تنتهي». ويقف الشاب سلمان عبدالله في «منطقة وسطى» ويقول بوجوب «إمساك العصا من الوسط». ويضيف: «نسمع من آبائنا وأجدادنا أن الماضي أجمل، وأكثر نقاء ورجولة وغيرها من الأوصاف التي أصبحت ذكرى، بينما جردوا الزمن الحالي ومن يعيشون فيه من أي شيء جيد، وتناسوا أنهم ربما كانوا في فترة شبابهم نقطة سوداء لدى الجيل الذي سبقهم، بخروجهم عن النسق الحياتي المعتاد». ويطاول «صراع الاجيال» الفتيات أيضاً، إذ تؤكد سناء محمد أن الأمر «غريب جداً، ويظهر قلة الوعي لدى فئات من الجيل القديم أخذت على عاتقها حمل سلاح الاتهام المستمر، وأنا أرى أن نترك لنعيش وفق حاضرنا الذي سيتحول بدوره إلى ماض، يخالفه الجيل المقبل والحياة تسير وتستمر». وتسرد حوادث تشير إلى هذا المفهوم المتأصل في الثقافة السائدة: «دائماً ما تقول لي جدتي إنني غير متزنة، وغير محتشمة لمجرد أنني أرتدي ثياباً شبابية، وأقص شعري، وأحاول أن أحافظ على رشاقتي، وأحمل الهاتف المتنقل، وأمارس حياة جيلي اليوم». وتلفت إلى أن ما تراه جدتها فيها «واحد من الأحكام التي نرمى بها على الدوام، وأنا أعكس الصورة، لماذا لا تتغير جدتي لتشبهنا إذا كانت تصر على أن أكون نسخة كربونية منها؟ هل سترضى بهذا التغيير؟ لا أعتقد. فلماذا نجبر على أن نعيش في زمان غيرنا». وتعتقد فاطمة محمد، أن الصراع «باق ولن ينتهي، ومع ذلك أنا مع من يرى ببقاء الماضي حاضراً بقيمه الجميلة، وأن يعيش الحاضر أيضاً بقيمه الصالحة، وليس لزمان فضل على الآخر إلا بمن يعيشون فيه». وأوضحت أن التغيير «حدث بالفعل بين الجيلين، فجدتي أصبحت تمتلك جهاز هاتف نقالاً، وتتحدث من خلاله، بعدما كانت لا تعرف استخدام الهاتف الثابت، إلى جانب أن غرفتها تحوي تلفزيوناً وجهاز استقبال قنوات فضائية».