تمر الأيام متلاحقة. أشغال الناس لا تسمح بساعة للانتباه والتأمل. تاريخ اليوم لا يعني بالنسبة لهم سوى موعد أو اجتماع أو بداية إجازة أو مناسبة عيد ميلاد على الأكثر. ربما يصبح لليوم وتاريخه معنى أكبر عندما يعرف "تاريخ التاريخ". 16 فبراير مثلاً يبدو يوماً عادياً، فهو ليس عالقاً في الأذهان كما هي تواريخ 5 حزيران (يونيو) او 6 تشرين الأول (أكتوبر) أو 9 نيسان (إبريل)، لكنه قد يعني الكثير بالنسبة لأشخاص معينين، أو حتى شعوب بأكملها، كما هو الحال مع الفرنسيين واللبنانيين تحديداً. الصدفة أيضاً جمعت بين شعبين قريبين من بعضهما، فتأثر الشعب اللبناني بالثقافة الفرنكفونية (الفرنسية) رابط جيد. إذاً هي مجموعة من الروابط الواضحة وغير الواضحة، منها تاريخ 16 فبراير. هناك احتمال أن عالم الأرقام والتواريخ "يتناسخ" أو يتوالد كما البشر، فقد يكون 16 فبراير عام 1723م جداً من أجداد 16 فبراير الذي نعيشه اليوم. هذا التاريخ شكل بطريقة أو بأخرى حلفاً مع "الثورة الفرنسية"، ففيه تم تنصيب آخر ملوك فرنسا الذي سقطت الملكية الفرنسية على يده، عندما اندلعت ثورة الجياع في عهده، وأودت برأسه ورؤوس أخرى كثيرة. وفي 16 فبراير من العام 1815 (أحد الأجداد أو الأحفاد) نقل نابليون بونابرت إلى منفاه في جزيرة "ألبا"، وهو الرجل الذي كاد أن "يئد" الثورة الفرنسية. حدثان طبعا نفسيهما في ذاكرة الفرنسيين إلى الأبد، في التاريخ نفسه، لكن بفارق 92 عاماً. في لبنان، القصة مختلفة، فالذكريات لم تنس بعد، إذ يمثل هذا التاريخ اليوم الذي انتشر فيه الجيش اللبناني في صيدا بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي 1985. لكنه يمثل أيضاً ذكرى حزينة، فهو اليوم الذي اغتيل فيه عباس موسوي مؤسس "حزب الله"، وهو الحدث الذي لن ينساه اللبنانيون ما حييوا. للشيوعية قصة كبرى مع ال16 من فبراير، فهو التاريخ الذي ولدت فيه أكثر أنظمة الشيوعية قوة. فيه تولى "فيدل كاسترو" الحكم في كوبا سنة 1959م، وفيه أيضاً أعلن عن قيام الجمهورية الشعبية الكورية الشمالية. نظامان لا يزالان صامدين على رغم انهيار "عراب" الشيوعية منذ 20 عاماً. يعد مفصلاً تاريخياً في حياة العلم الحديث، إذ استطاع العالم انطوان لافوزاييه تحليل الماء إلى ذرة أوكسجين وذرتي هيدروجين، وهو الاكتشاف الذي فتح أفاقاً عظيمة للإنسانية. بالنسبة للمصريين، فهذا اليوم شهد "فتحاً أثرياً"، تمثل باكتشاف مقبرة "توت عنخ آمون" على يد العالم هوارد كارتر عام 1923. لكنه لم يكن سعيداً في تاريخ السينما المصرية التي خسرت فيه أحد أعمدتها ومؤسسيها الفنان زكي رستم العام 1972. رياضياً، شهد هذا اليوم ولادة مجموعة من النجوم، ولد فيه المهاجم البرازيلي الشهير بيبيتو 1964، كما أتى فيه سائق الدراجات الشهير فالنتينو روسي 1979، كما ولد فيه "القرش الأسمر" السباح التونسي أسامة الملولي بطل العالم في سباقات 800 متر. سواء كانت الذكريات جميلة أو قاسية، أصبح لهذا اليوم طعم ولون ورائحة بعد أن تعلم أن كل هذه الأحداث جرت في يوم مر عليك، ربما دون أن تعرف تنظر إلى "الروزنامة".