فتحت الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الاوكرانية امس، الوضع في البلاد على كل الاحتمالات، وباتت خيارات اللجوء إلى الشارع أو إلى القضاء مطروحة بقوة، في حين استبق الرئيس فيكتور يوتشينكو صدور النتائج الرسمية بتحذير الأوكرانيين من أنهم سوف «يخجلون من خياراتهم في كل الأحوال». وتعلقت أنظار الأوكرانيين والمهتمين بالشأن الأوكراني يوم «الأحد الحاسم» كما وصفه معلقون أمس، بمؤشرات لجنة الانتخابات التي دلت إلى ضعف حجم الإقبال على الصناديق، ما رمى بثقله على النتائج الأولية للانتخابات، ودفع إلى تصعيد الحراك المحموم للتشكيك سلفاً بالنتائج التي بدأت تظهر أول معطياتها مع إغلاق صناديق الاقتراع مساء. وعلى رغم الثقة التي برزت في حديث زعيم المعارضة فيكتور يانوكوفيتش الذي منحته المعطيات الأولية تقدماً على منافسته العنيدة رئيسة الوزراء يوليا تيموتشينكو فإن الأنظار تعلقت بحجم الفارق في النقاط بين المتنافسين، باعتبار أن هذا العنصر سوف يشكل المحرك الأساسي لتصعيد الموقف إذا لم تحمل النتائج النهائية فوزاً «واضحاً بفارق كبير في النقاط»، كما أبلغ مصدر أوكراني «الحياة» في حديث هاتفي أمس، موضحاً أن المعطيات الأولية منحت يانوكوفيتش أكثر من خمسين في المئة في مقابل أربعين لمنافسته ، لكن «مسار عملية التصويت والتحالفات التي سبقت دخول الجولة الانتخابية الثانية قد تسفر عن تقليص الفارق إلى حد كبير وربما إلى قلب الصورة تماماً»، ما يعني توافر مبررات قوية للتشكيك في النتائج المعلنة مهما كانت . ولم يستبعد المصدر أن يعود الأوكرانيون إلى «المربع الأول» في إشارة إلى التطورات التي أعقبت انتخابات عام 2004 عندما احتكم المتنافسون إلى القضاء للبت في النتائج المعلنة. وكانت تيموتشينكو هددت باللجوء إلى الشارع إذا جاءت نتائج الانتخابات على عكس ما تهوى، ولمحت إلى استعدادها لإطلاق «ثورة ملونة جديدة» في البلاد وهو تهديد قابله يانوكوفيتش بالاستخفاف، مشيراً إلى أن الشارع الأوكراني المتعب بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية المتوالية لن يرغب بتكرار تجارب الماضي القريب. ومع استعداد الأوكرانيين لخوض جولة جديدة من الصراع على السلطة صب الرئيس المنتهية ولايته فيكتور يوتشينكو الزيت على النار في الربع ساعة الأخير قبل مغادرته منصبه، إذ بشر الأوكرانيين سلفاً بأنهم سيخجلون من خياراتهم في كل الأحوال، في هجوم مباشر على المتنافسين يانوكوفيتش وتيموتشينكو. واعتبر يوتشينكو أن المهم هو «نجاحه في تكريس الخيار الديموقراطي عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع». وبعيداً عن نتائج العملية الانتخابية وتداعياتها تبدو أوكرانيا مقبلة على مرحلة أصعب على صعيد سياساتها الخارجية والداخلية في ظل الرئيس الجديد. فهي على الصعيد الاقتصادي في وضع تعجز فيه عن تسديد القروض الخارجية التي وصلت في نهاية العام إلى 35 بليون دولار، بينما تبدو فرص حصول كييف على قرض من صندوق النقد الدولي قيمته 3.5 بليون دولار شبه معدومة بعدما أبدى الصندوق عدم ثقته بالسياسة الاقتصادية لأوكرانيا. كما أن الآمال التي راودت كييف بالانضمام إلى الحلف الأطلسي على رغم اعتراضات موسكو، تبددت خلال الفترة الأخيرة ولا يبدو الحلف متحمساً للدخول بصراع جديد مع موسكو وتحمل تكاليف الانضمام المرهقة سياسياً واقتصادياً. وعلى رغم أن الصورة تبدو قاتمة لكن بعض المحللين الأوكرانين لم يسبعدوا تطوراً مفاجئاً مثل أن يقبل يانوكوفيتش بعد تسلمه مقاليد الحكم على «تنازل تاريخي» يمنح من خلاله تيموتشينكو منصب رئاسة الوزراء ، ويعد هذا السيناريو المفضل لكثيرين كونه يؤمن استقراراً باتت أوكرانيا تفتقده منذ سنوات. لكن هذا السيناريو يغدو قابلاً للتطبيق في حال «لم يتم تصعيد الصراع حالياً، عبر القضاء أو في الشارع إلى درجة يتم فيها تجاوز الخطوط التي تسمح بالتراجع وتقديم تنازلات» كما قال خبير أوكراني ل «الحياة» أمس. يبقى أن موسكو التي فضلت عدم التدخل المباشر في الصراع على السلطة خلافا لانتخابات عام 2004 عندما خسر مرشحها يانوكوفيتش السلطة ، تشعر هذه المرة بالراحة أكثر لأن شعارات التقارب مع الغرب تراجعت كثيرا وغلبت عليها تأكيدات كل الأطراف الأوكرانية بضرورة توازن علاقات كييف بين الشرق والغرب.