مهما كانت نتائج مناقشات مجلس النواب العراقي اليوم في شأن المستبعدين من الانتخابات الاشتراعية المقبلة، ومهما كانت الصيغة النهائية لحل هذه المسألة، ستبقى قضية حزب البعث وما ترمز اليه، سابقاً وحالياً، قضية تؤرق الوضع العراقي. وأي تسوية تقنية لمسألة مشاركة من استبعدتهم هيئة العدالة والمساءلة لن تحل المشكلة التي هي سياسية في جوهرها وليست مجرد إبعاد مسؤولين في ظل النظام السابق عن المشاركة السياسية في ظل النظام الحالي. الحل التقني قد يسهل اجراء الانتخابات المقبلة لكنه لا يرسي أسساً صالحة لاقامة الدولة الجامعة. وحده الحل السياسي القائم على الاعتراف بمواطنية جميع العراقيين وحقوقهم المتساوية امام القانون والعملية السياسية، وعلى أسس تنموية عادلة وشاملة لكل المناطق والمحافظات، يمكن ان يعيد جميع العراقيين الى النظام الجديد. وتأتي قضية حزب البعث كاختبار لمدى قدرة النظام الجديد على ارساء الحل السياسي. لا جديد في القول ان حكم النظام السابق، باسم حزب البعث، ترك آثاراً كارثية على كل المستويات في العراق، لحقت شظاياها المنطقة بأسرها. ولا جديد في القول ان هذا الحكم تميز بقدرة قمعية هائلة طاولت جميع العراقيين. كما انه شرّد العراقيين وأفقرهم وجوّعهم، وهم أبناء أغنى بلد عربي. لكن المضاعفات التي انطوت عليها هذه السياسة وكيفية اسقاط النظام السابق جعل من حزب البعث رمزاً للون طائفي للحكم الجديد. اي ان التشدد في مكافحة حزب البعث في العراق واستئصاله تطابقاً مع هوية طائفية، وهي الشيعة تحديداً. في حين ان المدافعين عن هذا الحزب يتماهون مع السُنة. وزاد هذا الرمز حدة بفعل الارهاب الذي استهدف الشيعة والحكم الجديد، والذي نُسب الى «القاعدة» والى بقايا النظام البعثي السابق. اي ان قضية حزب البعث لم تعد مجرد عداوة سياسية للنظام السابق او مجرد انتماء سياسي. لقد باتت ترمز الى انتماء طائفي واجتماعي، بغض النظر عن طائفة الذين انتموا وعملوا في ظل النظام السابق. في هذا المعنى اختلطت معاني المساءلة والمصالحة، لتتحول الى استهداف طائفي. خصوصاً ان الاحزاب الاساسية المشاركة في الحكم حالياً ذات لون طائفي واحد وتأسست على أساس طائفي وتغذت من الاضطهاد الطائفي. وبذلك يكون التحدي الكبير امام الحكم الجديد هو كيفية تصفية ارث النظام السابق من دون ان يكون الثمن مزيداً من التأزم الطائفي. الى جانب ذلك، طاول الاستئصال شخصيات شيعية من خارج الائتلاف الحاكم، خصوصاً تلك المنتمية الى كيانات معارضة ومتحالفة مع علمانيين. ليُضاف الى الخصومة الطائفية استبعاد لمنافسين سياسيين. ليصبح شعار البعث اداة سياسية في الخصومة السياسية وليست مجرد وقفة امام تجربة الحكم السابق. مسألة اخرى تتعلق بحزب البعث مطروحة امام النظام الجديد. فالفرع السوري من هذا الحزب ما زال يقود الحكم في دمشق. وبغض النظر عن الخلافات السياسية الكثيرة السابقة والحالية بين الفرعين، فهما ينهلان من المعين الايديولوجي ذاته، ويحملان شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية ذاتها. وأي توجه من النظام العراقي الجديد نحو استئصال البعث، كأيديولوجيا، سيواجه مزيداً من التأزم مع دمشق. وإذا كانت حكومة المالكي تتهم دمشق بحماية ارهابيين في العراق، فالمقصود بالضبط هذا المعين الايديولوجي المشترك. وهذه مسألة سياسية بامتياز، تتجاوز بكثير مجرد اتهام دمشق بايواء «صداميين». وعلاقة الحكم العراقي مع دمشق تطرح بدورها علاقته مع طهران. ففي ظل التحالف الاستراتيجي الثابت بين سورية وايران، صاحبة النفوذ المتزايد في العراق، يُطرح على بغداد كيفية التوفيق بين خصومتها السياسية والايديولوجية لسورية وبين علاقتها المميزة مع ايران.