توفي في بيروت عن 86 سنة في الأول من الشهر الجاري الوزير اللبناني السابق هنري اده، المهندس المعماري البارع الذي حقق انجازات معمارية في لبنان (اليرزة وبعبدات تحديداً) وأعمالا هندسية ومشاريع في الدول العربية نفذها عندما عمل في «دار الهندسة». ومن عايش الفترة التي كان خلالها هنري اده وزيراً للتربية في حكومة التكنوقراط في عهد الرئيس سليمان فرنجية، يعرف كم كان يطمح الى اصلاح الأمور في لبنان واخراج النظام التعليمي الرسمي من مستواه المتدني. وكان اده طيلة حياته ثائراً على الفساد ورائداً في حملات مكافحته. والكل يتذكره وزيراً للاشغال العامة حاول مقاومة نظام الاقطاع والطائفية، ثم ثورته على الوضع القائم عندما أراد اصلاح التعليم الرسمي وجعل الجامعة اللبنانية «حجر أساس للتوجه الوطني»، كما قال في كتابه «لبنان من أين أتيت». ثورته هذه جعلته يعقد مؤتمراً صحافياً حينها ليكشف عن خفايا العراقيل التي حالت دون اصلاحه الجامعة، ومن ثم اقيل من الحكومة. وكان اده الثائر يفتخر بأنه الوزير الوحيد الذي اقيل في تاريخ لبنان. كان رائداً بكل ما قام به وخصوصاً في ثوراته وغضبه كما حصل في 1991 عندما كلف اعداد مخطط جديد للوسط التجاري للعاصمة بعد الحرب الأهلية، يتوخى الحفاظ على المعالم الثقافية للمدينة القديمة التي دمرت، الا انه اصطدم بمن أراد تغيير خطته الهندسية فثار وتخلى عن مهمته وتألم لمجرى الأمور التقليدي في لبنان. والكل يتذكره رائدا ايضاً في طرافته اذ كان يأتي احياناً الى قصر بيت الدين حيث كان يدعو الرئيس الراحل سليمان فرنجية وزراءه في الصيف الى الاجتماع، على دراجته النارية من دون حرس أو بروتوكول. ولم يكن هنري قريب العميد الراحل ريمون اده (ابن عمه) فحسب، اذ كانت تربطهما ايضاً علاقة ود واحترام كبيرين. وكانت للرجلين قيم مشتركة اهمها التعلق باستقلال بلدهما ومكافحة الفساد والطائفية فيه. وهنري اده لم يكن فقط مهندساً معمارياً ووزيراً بارعاً ومواطناً مثالياً، بل كان ايضاً رجلا طريفاً يحب المرح وروح النكتة وله هوايات كانت رائدة في لبنان. وكثيرون يتذكرون انه كان اول من مارس هواية قيادة الطيران واخذ عائلته على متن طائرة صغيرة الى قبرص وتعطل فيها محرك، وتمكن بمساعدة اولاده من الهبوط بها بسلام. ومن أهم انجازات هنري اده اولاده واحفاده. ابنه جان لوي مهندس بارع اختص بالبيئة وله مقالات عدة حول موضوع الانبعاثات الحرارية. اما ابنتاه آن ماري ودومينيك فهما كاتبتان كبيرتان باللغة الفرنسية. لدومنيك روايات ونقد أدبي مميز جعل مكانتها على الساحة الثقافية الفرنسية كبيرة، وآن ماري التي حصلت على ارفع جائزة فرنسية لتأليفها كتاب «صلاح الدين» هي عالمة بالأدب واللغة الفرنسيين.