لم يعد مستغرباً أن يصادف المتجول في شوارع المدن السعودية مساء، طفلاً في التاسعة، بالكاد يُرى، وهو يجهد في الوصول إلى مقود السيارة، ويعتلي وسادة، فيما تجاوره على المقعد الآخر سيدة مُنشدّة إليهتعمل على إرشاده نحو الوجهة التي تقصدها. ظاهرة بدأت في أوساط السعوديات، وإن كانت تظهر بكثرة بين الأرامل والمطلقات فإنها تحصل أيضاً في بعض الأسر الثرية المكتملة، والتي لا تجد غضاضة في تلبية رغبة طفلها «المدلل» في امتلاك سيارة. وتدفع أمهات سعوديات أطفالهن الذكور، في وقت مُبكر من العمر، إلى قيادة السيارة، تحت وقع الحاجة إلى وجود سائق في المنزل، في بلد لا يسمح للمرأة بالقيادة، فيما يسمح بها للذكور في سن ال17. واللافت أن الأطفال السعوديين، غالباً ما يلجأون إلى قيادة المركبات الكبيرة، مثل سيارات «السوبربان» و «الجيب» أو ما يعرف ب «الصالون»، بهدف نقل أفراد الأسرة، من الإناث ومن يصغرهم سناً من الذكور. وينفرد الأب في حال كونه لا يزال عضواً في الأسرة، بالمركبة الصغيرة، لسهولة التنقل بها في الشوارع التي تشهد ازدحاماً متزايداً. وتعتبر سامية (35 سنة)، مطلقة منذ أربعة أعوام، وتعيش مع ابنتين مراهقتين، وصبي في الحادية عشرة من عمره، نفسها مضطرة إلى الزج بابنها لتعلم القيادة. وتعزو السبب إلى الحاجة: «مَن يتنقّل بي وبابنتي، خصوصاً إني لا أحبذ فكرة جلب سائق أجنبي». ولا يكتفي طفل العاشرة أو الحادية عشرة، بإيصال أمه، التي تشترط عليها بداية ألا يتعدى الحي الذي يقيمون فيه، بيد أنه لا يلبث بعد أن يشتد عوده، أن ينطلق بالمركبة بعيداً، برفقة أصدقائه الصغار، متخطياً الحدود المرسومة له، وتجدهم يشدون إليهم الأنظار، أمام إشارات المرور، وهم يتعاركون، وتعلو ضحكاتهم. ويتعرض عدد من الصبية، ممن يدفعون إلى القيادة المبكرة إلى «فوبيا قيادة السيارة»، لدى تعرضهم إلى فشل متكرر في القيادة، أو ارتكابهم عدداً من الحوادث، والأخطاء المرورية، ما يتسبب في إعراضهم عنها أحياناً، لفترات من الزمن، يمكن أن تمتد إلى شهور أو سنوات. وفي حال النجاح في إعادة ثقتهم في أنفسهم، يبدون أقل جرأة من أقرانهم، ممن لم يتعرضوا في أوقات مبكرة إلى مواقف شبيهة. وتشكل حوادث الأطفال في المملكة، نسبة كبيرة، تؤدي إلى فقدان الأطفال أو إصابة بعضهم بالإعاقة بسبب القيادة في سن مبكرة. وتؤكد جمعية حماية الأسرة، أن عدد الأطفال الذين يقودون السيارات في السعودية «آخذ في الازدياد». وتشير منى (48 سنة)، إلى أنها لا تملك خياراً سوى دفع ولدها (12 سنة)، إلى تعلم القيادة، موضحة أنها أرملة وعانت كثيراً من ارتفاع كلفة إيجارات السيارات طوال الأعوام العشرة الماضية، مبدية استياءها من «عدم اقتناع كثيرين من أفراد المجتمع السعودي بعد بأهلية المرأة للقيادة»، ولافتة إلى دراسات أثبتت أن «المرأة أقل عرضة لحوادث السير، من الرجل، نتيجة حرصها على إتباع قوانين المرور، بشكل يفوق الذكور». وتوضح أن المرأة السعودية، «تذهب إلى الدول المجاورة من أجل الالتحاق في دورات تعلم القيادة، إضافة إلى تلقي بعضهن دروساً في القيادة على أيدي آبائهن أو أزواجهن». وتقول: «السعوديات يجدن في رحلات البر والسفر متنفساً لتجريب مهاراتهن في القيادة. كما يستفدن منها لدى الضرورة»، مستشهدة بالفتاة، ملاك المطيري، والمهارة التي أبدتها في قيادة السيارة، وشجاعتها، أثناء كارثة سيول جدة. وكانت ملاك (15 سنة)، تمكنت بعد أن قادت مركبة والدها، من إنقاذ ركاب ثماني مركبات علقت في السيول التي اجتاحت جدة قبل شهرين. وبدأ سيناريو الحكاية المُثيرة، باستنجاد الأب بعد خروجه بصحبة أحد أبنائه لشراء أضحية عيد الأضحى، ومحاصرة مياه السيل له، إذ لم يجد بداً من الاستنجاد بملاك، التي كان يثق في مدى أهليتها لقيادة السيارة، بعد دروس مكثفة تلقتها على يديه. ولم تخذله ملاك، بخلاف ما فعله آخرون استنجد بهم، إذ انطلقت بسيارته إلى نجدته. المدهش أنها لم تتمكن من إنقاذه وأخيها فحسب، بل نجحت أيضاً، في إنقاذ عدد من الأسر، ما دفع بمواطنين إلى المطالبة بتكريم الصبية «الشجاعة».