منذ قيام الوحدة اليمنية في 22 (أيار) مايو عام 1990 واليمن لم يستقر سياسياً، إذ اندلعت الحرب الأهلية بين الشمال المتمسك بالوحدة، ومجموعات من الجنوب تطالب بالانفصال، انتهت بهزيمة الحزب الاشتراكي بقيادة علي سالم البيض ومجموعتهوسيطرت الحكومة على الأوضاع لفترة لا بأس بها، لكن عدم الاستقرار ما لبث أن عاد بتذمر الكثير من أبناء الجنوب، وبدأ يتطور إلى اعتصامات ومظاهرات، يساعدها في ذلك تمرد جماعة الحوثيين في صعدة، ليزيد من أوضاع اليمن سوءاً، إضافة إلى استغلال القاعدة لهذا الوضع لتتسلل إلى الأراضي اليمنية، وتعلن قيام قيادة الجزيرة العربية للقاعدة في أراضيه. يواجه اليمن اليوم ثلاثة تحديات رئيسة تشكل خطراً على أمنه واستقراره، هي: أولاً: الحراك الجنوبي، الذي بدأ بشكل واضح عام 2009، على شكل احتجاجات على الوضع القائم، ما لبثت أن تطورت إلى مطالبة بالانفصال والعودة إلى ما قبل الوحدة من بعض القوى السياسية التي بدأت تغذي التحركات الشعبية وتعبئتها في هذا الاتجاه بشكل واضح وجلي، مستغلة الأوضاع الاقتصادية والأمنية للضغط على الحكومة اليمنية، وكسب تأييد الكثير من أبناء الشطر الجنوبي، وبعض القوى الخارجية التي من مصلحتها انقسام اليمن وتشرذمه إلى دويلات ضعيفة وإفشال تجربة الوحدة بين أبنائه. ثانياً: «الحوثيون»، الذين بدأت حركتهم بالظهور في أواخر التسعينات، إذ خاضت هذه الحركة خمس حروب والسادسة التي لا زالت دائرة بينهم وبين الحكومة اليمنية، إضافة إلى محاولة هذه الحركة الفاشلة التسلل إلى الأراضي السعودية وجرها إلى الصراع الداخلي بينها وبين الحكومة اليمنية من أجل خلط الأوراق في المنطقة، منفذة أجندة قوى خارجية تريد النفاذ إلى المنطقة وتؤجج الصراع بين أبنائها، واستغلال هذا الصراع للسيطرة على مقدرات المنطقة وإضعاف قوتها. ثالثاً: «القاعدة»، التي تنشط في اليمن بعد أن تلقت ضربات موجعة جداً في المملكة العربية السعودية، وفقدانها للكثير من كوادرها وانحسار تأييدها والتعاطف معها من العامة، بدأت تستغل الأوضاع في اليمن، سواء الحراك الجنوبي أو التمرد الحوثي، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية جداً، والنفاذ من خلالها والاستفادة من انشغال القوى الأمنية في مواجهتهما، لتبني قواعد لها، وتجند كوادر وتدربها للتسلل للدول المجاورة أو غيرها، جاعلة من اليمن نقطة الانطلاق لزعزعة الاستقرار في هذه الدول، ومحاولة إعادة قوتها التي فقدتها، فكانت محاولتها الفاشلة لاغتيال مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، وتفجير طائرة الخطوط الأميركية المتجهة إلى «ديترويت»، رد فعل للضربات التي تلقتها في السنوات الأخيرة. كما أن الوضع الاقتصادي المتردي في اليمن بسبب الأزمة المالية العالمية، وانخفاض عائدات البترول ما أثقل الموازنة وزاد في عجزها، زاد الطين بلة بالنسبة لتردي الاقتصاد اليمني، ما انعكس على الأوضاع الأمنية والسياسية، وضغط على الحكومة اليمنية سلباً من الناحية الاقتصادية، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية اليمني أبو بكر عبدالله القربي، بأن اليمن بحاجة إلى أربعة بلايين سنوياً ليستطيع مواجهة الأعباء الاقتصادية وتسيير أموره، لذلك نجد أن الضعف الاقتصادي كان عاملاً مساعداً لنمو الجبهات الثلاث في اليمن، سواء من ناحية مواجهتها أو من ناحية استغلال هذه الجبهات لحاجة الناس وتجنيدهم لتنفيذ أهدافها، مستغلة الدعم الذي تتلقاه من الخارج، خصوصاً التمرد الحوثي والقاعدة. لذا نرى أن العلاقة بين الحراك الجنوبي والتمرد الحوثي وتنظيم القاعدة، علاقة مصالح، على رغم تباين الاتجاهات واختلاف المبادئ، فالقاعدة، وبحسب مبادئها وتوجهاتها المعلنة، يفترض أن تكون ضد التمرد الحوثي المدعوم من إيران وذوي التوجهات الإيرانية، بينما الحراك الجنوبي لا يزال قادته يميلون إلى اليسار الشيوعي، لذلك نجد أن المصلحة المشتركة بين هذه القوى الثلاث المتناقضة في التوجهات والمبادئ فرضت عليهم التعاون والتنسيق في ما بينها إلى أن يحقق كل منها+ هدفه، وبعدها سنرى الخلاف في ما بين هذه الجبهات الثلاث يظهر ويتطور إلى حد المواجهة لحسم الوضع لصالحه. من الواضح أن هذه القوى الثلاث تسعى إلى السيطرة على اليمن ولو من خلال تفكيكه إلى دويلات يسهل السيطرة عليها، والنفاذ من خلالها إلى المناطق الأخرى، بالنسبة للقاعدة والتمرد الحوثي، اللذين هدفهما أن يكون اليمن نقطة انطلاق لهما للمناطق الأخرى، من الواضح أن القوى الثلاث تسعى لتحقيق أهدافها من خلال استغلالها لبعضها البعض، سواء من خلال التعاون أو التنسيق في ما بينها لتحقيق أهدافهم التي ترمي في النهاية إلى تفكيك الدولة اليمنية وإضعافها. السؤال المطروح هو: هل لدى اليمن القدرة على مواجهة هذه القوى لوحده في وقت واحد، أم أنه يحتاج إلى مساعدة خارجية؟ وممنْ تكون هذه المساعدة؟ من الواضح أن اليمن يحتاج إلى مساعدة من أشقائه العرب من أجل القضاء على التحديين الخطرين حالياً، وهما التمرد الحوثي وتنظيم القاعدة، سواء في المساعدات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، بينما حل مشكلة الحراك الجنوبي، فأعتقد أن الحل السياسي لها هو في صالح الجميع وبمساعدة عربية مع التركيز على وحدة اليمن ورفض أي محاولة للانفصال لأنها تضعف اليمن أولاً والمنطقة ثانياً. كما أن حماية اليمن من التدخل الخارجي مهمة، حتى لا يكون هذا التدخل عاملاً مساعداً للقوى المناهضة لليمن، وذلك باستغلال هذا التدخل وتعبئة الرأي العام ضده، خصوصاً الأميركي الذي لن يكون في صالح اليمن أو المنطقة، وهو ما رفضه أيضاً وزير الخارجية اليمني أبو بكر عبدالله القربي في أكثر من مناسبة، خصوصاً في مؤتمر لندن الذي يناقش الوضع في اليمن. تمثل الانعكاسات السلبية لعدم استقرار اليمن على المنطقة خطراً جديداً يضاف إلى الأخطار الأخرى، إذ موقع اليمن الجغرافي الاستراتيجي المتحكم بمضيق باب المندب على البحر الأحمر، الذي سوف يكون منفذاً لقوى إقليمية ودولية عدة تنتظر فرصة ضعف اليمن لتنفذ إلى هذه المنطقة وتضغط على دولها من الخاصرة الجنوبية، لتكمل الحلقة بتطويق القوى العربية الفاعلة والمؤثرة كالمملكة العربية السعودية التي تمثل عامل الاستقرار والموازنة للقوة العربية في هذه الأيام. إن تصنيف اليمن من القوى الغربية كمكان خطر ومقر للقاعدة وبرامجها وتدريباتها أمر خطر ويدعو لتدخل عربي ومساعدة عربية في أقرب وقت، لحفظ وحدته واستقراره، وحمايته من التدخلات الخارجية، وهذا هو الدور العربي المطلوب لمساعدة اليمن. * أكاديمي سعودي.