"اللقاء التثقيفي المهني" يمكن اعتباره فرصة للجامعات أكثر منها للطلاب. هذا المعرض السنوي في بيروت الذي يبدو وكأن الجامعات تنتظره على أحر من الجمر، نظراً إلى ما تبذله لتُظهر مكانتها في عيون الطلاب، علماً ان بعض الجامعات لا تحتاج إليه، ولا إلى الدعاية، فصيتها الذائع واسمها العريق وتاريخها تجعلها أشهر من نار على علم. (+ فيديو يوتيوب) ولكن، لا بد من الظهور مهما كلف الأمر، فها هي الجامعات المعترف بشهاداتها في لبنان تتنافس من خلال معرض "التوجيه المهني"، لتكوين صورة مبهرة عنها في نظر الطالب الذي لم يسمع عنها بسوى القليل. وها هي تستعرض كل ما لديها، من خلال التسابق على تنسيق ديكور الجناح وتنسيق الأزهار المنسجمة مع صورة الصرح الجامعي الذي صوّر بدقة وعناية وجمالية، حتى لتخال أن مبنى الجامعة ذاك القصر المذهّب المنبسط على شاطىء متلألئ، أو من خلال تصميم أفضل المنشورات والبروشورات المختلفة الالوان والاحجام والاشكال، أو من خلال "الهدايا" التي تقدمها كل جامعة في جناحها، كملف للطلاب يحمل اسمها، أو كوب أو قلم او غير ذلك. وكل هذه من الأمور التي تثير رغبة الطلاب بزيارة جناحها للحصول على "الهدية"، فضلاً عن البونبون والشوكولا... br / إضافة إلى اهتمام الاشخاص المسؤولين عن كل جناح بالمظهر الخارجي وتسريحة الشعر والماكياج حتى لتشعر بأنك في مناسبة ما. ومما لا شك فيه أن كل تلك "البهرجات" زهيدة أمام ما تحصّله الجامعات من عائدات وأرباح طائلة من خلال أقساطها الفاحشة الغلاء. وللوهلة الاولى، يعتقد الطالب الثانوي أن زيارته المعرض ستكوّن لديه فكرة واضحة المعالم عن الاختصاص المناسب له. ويخيّل لبعضهم أن مسؤولي كل جناح اختصاصيون في اكتشاف الميول والمهارات ومطّلعون على حاجات سوق العمل. وفي الواقع، يعمل كل منهم على الترويج لجامعته، ويحاول شد الحبل إلى جهته بجمل وعبارات تدرّب عليها ليعطي أبهى صورة عن الجامعة. وقد يسهو عن إعطاء الطالب فكرة عن أسعار ال"كريديتس" أو الأقساط، الا إذا حاول الطالب الاستفسار مصرّاً على ذلك. ورغم العشوائية السائدة في لبنان، من دون أي توجيه قائم على دراسات معتبرة واحصاءات ناجزة والمنافسة ما بين الجامعات وأشباه الجامعات في استحداث صفوف أو اختصاصات جديدة تكون اكثر ربحية، يعمد بعضهم الى إيهام الطالب بأن السوق بحاجة إلى "هذا الاختصاص"، على رغم طفرته، "لأن هذا الاختصاص مطلوب ومحبوب ومرغوب وكلفته أحلى"، كما يقال. وذلك علماً أن جامعات أخرى تعتمد على دراسات تقريبية، وتحاول إيجاد اختصاصات جديدة تلبي احتياجات السوق. لكن، ومع دخول الطالب هذا المعرض، يشعر بتيه من أين يبدأ وأين يقف وأي منشور يأخذ وأي جامعة يقصد وأي اختصاص يحب. يتطلع في الوجوه. في الاشخاص. "من يبتسم ويرحب ويشرح نقف عنده. ومن هو مكشّر نأخذ منه البروشور ونمضي"، كما عبّر بعض زوار "لقاء التوجيه المهني". والطلاب في لبنان ينقسمون عادة الى أقسام، فالغني لا يهتم بالاقساط بل يهتم أولاً بالجامعة المرموقة التي سيلتحق بها، تاركاً لوقت لاحق التفكير في الاختصاص المناسب لدرجاته وعلاماته. وهناك الطالب المتفوق الذي يجمّد وضعه المادي طموحاتِه وأحلامه، ويبحث عن اختصاص "بطعمي خبز" (يطعم خبزاً) فيما بعد. وهناك الطالب الذي يريد ان يجسد حلم الطفولة او حلم الاهل في ان يصبح طبيباً او مهندساً او ضابطاً او طياراً. وإذا أقفلت الدنيا في وجهه، أو لم يوفّق في حيازة علامات عالية، يجنح الى اختيار إدارة الاعمال والمحاسبة أو ما يُعرف بالتجارة. ثم هناك الطالب الديناميكي الذي يتبع المثل القائل "على هوى السوق سوق"، بمعنى أنه يختار الاختصاص وفق الموضة، أي الاختصاص اكثر شيوعاً بين الناس. وهناك الطالب الضائع الحائر الذي لا يدري ماذا سيفعل، تجتاحه ميول وأهواء ولا يعرف ماذا يحب وماذا يكره ولا يريد أن يشغل نفسه بالامر. يحاول الطالب "عصر" مخه والرضوخ لفكرة أن من الضروري أن ينتقي اختصاصاً مناسباً لظروفه، يحافظ على مقامه بين الرفاق والأصحاب ومكانته الاجتماعية. ويضع هذا الحلم نصب عينيه، فيخضع لامتحان دخول إلى إحدى الجامعات. فإذا قُبل يتحقق حلمه، وإذا رُفض يتحطم... وكل هذا، وهو بعدُ لم يعرف نتيجته في الامتحانات الرسمية للثالث الثانوي (البكالوريا). * للاطّلاع على الريبورتاج (التقرير) المصوّر عن "اللقاء التثقيفي المهني" في يوتيوب * لدخول "قناة دار الحياة" الجديدة في يوتيوب * لدخول "قناة دار الحياة" في يوتيوب، عبر زاوية "لحظات متحركة" في بوابة "دار الحياة"