أظافر الأصابع المُزينة ب«المناكير»، الأحمر بدرجاتها المتفاوتة، تداعب أسلاك الكهرباء، والأيدي الناعمة تهوي بالمطارق ومفكات البراغي. يبدو المشهد متناقضاً للوهلة الأولى، ولكنه الواقع، الذي جسدته 60 فتاة، حولن مصنعاً في المدينة الصناعية الثانية في الدمام، إلى «خلية نحل».على الطريق المؤدي إلى محافظة الأحساء، وبعد أن تقطع السيارة نحو 60 كم من مدينة الدمام، تقع المدينة الصناعية الثانية، حيث أحد المصانع، الذي علقت على واجهته لوحة تشير إلى أنه مخصص لإنتاج الأدوات والمعدات الكهربائية، قام أخيراً، بافتتاح معمل خاص للنساء، للعمل في مجال تصنيع القطع الكهربائية، والهياكل اللازمة لصناديق الكهرباء، ومستلزماتها كافة، حيث الأسلاك والقواطع والقطع الحديد المتناهية الصغر. وهنا تحاول الفتيات أن يجمعن تلك القطع، للخروج بمنتج من قسم إلى آخر، وصولاً إلى مرحلة الإنتاج الأخيرة. جميعهن فتيات سعوديات، لم يحالفهن الحظ في إكمال مراحل دراستهن، فجلسن في المنازل ينتظرن فرصة عمل، حتى لو كانت «بسيطة» على حد قولهن، إلا أن المصنع خصص لهن معملاً متكاملاً، دربهن بداية، إلى أن تمكن من دخول خطوط الإنتاج والتصنيع. تتعالى أصوات الفتيات، لتغطي على خشخشة المسامير، ودوي المطارق وزمجرة الآلات الضخمة، 10 منهن يتولين الجانب الإداري، ويتواصلن مع مستوردين في دول عدة حول العالم، لتحديد الكميات المطلوبة من قِبلهم. ولكل واحدة من الفتيات ال60 قصة وحكاية، بيد أنهن ينهمكن في العمل، ويتحدثن ل»الحياة» التي زارتهن، وهن يعملن من دون توقف، فلو توقف العمل للحظة فربما وقعت أضرار على الفتاة، وعلى دورة العمل أيضاً. وتجد فاطمة الرحى، وهي مدير شؤون الموظفات في المصنع، أن التجربة وهي الأولى في المنطقة، «بدأت تجني ثمارها، فعندما أعلنا عن الحاجة لموظفات، كان المطلوب شريحة معينة من الفتيات، كاليتيمات والمحتاجات وغيرهن، فتلقينا مئات الطلبات من الفتيات الراغبات في العمل»، مضيفة «حاولنا أيضاً توظيف بعض ذوات الاحتياجات الخاصة. إلا أننا نسعى أولاً لتوفير بعض المستلزمات الخاصة بهن، والتي تمكنهن من العمل في المصنع». وتشير الرحى، إلى وجود مشرفات على العمل والإنتاج، «يعملن على التنسيق مع مديري الأقسام الرجال، لمعرفة الكميات اليومية المطلوبة، وفق التقارير الصادرة من الإدارة». وترى نرجس الدخيل، التي تعمل مراقبة على الإنتاج، أن وظائف المصنع «فرصة للعنصر النسائي للعمل في القطاع الصناعي، فعلى رغم أن مهام العمل صعبة، وهي معروفة على أنها للرجال، إلا أن الحياة أصبحت تتطلب أن نبحث نحن النساء عن فرص عمل جديدة، بدلاً من الجلوس في المنزل». وتملك فاطمة النصير، وهي مشرفة على العمل، قدرة على التحدث باللغة الهندية، إضافة إلى العربية، فهي من أم هندية الجنسية، وأب سعودي. لذا تتمكن من التواصل مع مدير قسم الإنتاج (هندي الجنسية)، وأيضاً مع عدد من المراقبين والموردين، لمعرفة متطلبات العمل الرئيسة والكميات المطلوبة. وترى النصير، التي تجلب المواد من أقسام الرجال، وتعرف أسرار ما يدور في معاملهم، لنقلها إلى المعمل النسوي، أن «نظرة المجتمع السلبية لا تهم، فالعمل في حد ذاته ليس عيباً». وتبدو البشاشة على محيا زميلتها بيان المغيزل، ذات ال21 ربيعاً، فهي تتحدث وتضحك في آن، ويبدو أن طاقة الأمل فُتحت لها، لذا تعمل بحماس منقطع النظير، في قسم الكيابل الكهربائية، وتسلم القواطع والكيابل إلى القسم المجاور تارة، وتتحدث إلى زميلتها حول الكميات المتبقية تارة أخرى. ولا تضيع الوقت، لأنه «في تمام الثالثة إلا ربع، نبدأ في تسليم الإنتاج اليومي، وإغلاق الأقسام والآلات، لذا فإن الوقت ضيق». وتعود إلى العمل، وتتحدث مع زميلتها حوراء الشعلة، التي تجد أن عملها في المصنع «يسهم في مساعدة عائلتي، والوقوف إلى جانبها، إضافة إلى القضاء على وقت الفراغ الذي أصبح جريمة اجتماعية، لا بد من إيجاد وسائل للتخلص منها». من بين المجموعة، هناك أربع موظفات متزوجات، وهن أمهات لأطفال، تكالبت عليهن ظروف الحياة. ولكنهن امتلكن الإصرار والإرادة على العمل والمثابرة. وتقول إحداهن، وهي مطلقة حالياً: «ساعات عملي طويلة، إلا إنني أعمل وأجتهد وأثابر، لأن الحياة تفرض علينا ذلك». قصصهن ومغامراتهن «شيقة»، فكل واحدة توقظ ذاكرتها، وترجع إلى شريط من الذكريات، بعد أن تركت مقاعد الدراسة، في المرحلة المتوسطة أو الثانوية، وجلست تنتظر مصيرها، فكان الطريق سلساً، وأدى بهن إلى المدينة الصناعية الثانية، وهي إحدى مرتكزات الصناعة في المنطقة الشرقية التي يُطلق عليها «عاصمة الصناعة» في المملكة، لتحط بهن الرحال هناك، من دون أدنى صعوبة.