انبعث القلق في روسيا إثر ابرام اتفاق بولندي - اميركي على نشر صواريخ «باتريوت» الدفاعية على الاراضي البولندية، على نحو 100 كلم من قاعدة أسطول البلطيق الحربي الروسي. فواشنطن استرضت بهذا الإجراء وارسو المستاءة من تراجعها عن نشر الدرع الصاروخية الاميركية في بولندا وتشيخيا. وترى بولندا الى روسيا عدواً لدوداً يسعى الى الهيمنة على الدول السوفياتية السابقة واوروبا الشرقية. وأيدت بولندا سياسيين يناوئون روسيا في جورجيا وأوكرانيا . والتزمت موسكو، الى اليوم، الصمت. ولكن القيادات العسكرية الروسية ترى أن نشر صواريخ باتريوت «خطوة عدائية»، على رغم طابعها الدفاعي. وأعلنت قيادات عسكرية روسية عالية المستوى أن اسطول روسيا في البلطيق سيزود أسلحة متطورة حديثة، ووحدات متنوعة، لرفع قدراته الحربية رداً على الخطوة الاميركية. ونفت وزارة الدفاع الروسية ما تداولته القيادات العسكرية. فموسكو لا ترغب في تعقيد الموقف، في وقت يعد الروس والاميركيون لتوقيع اتفاق «ستارت -2». ويرجح أن يبرم الاتفاق قبل مؤتمر نزع السلاح النووي الدولي. والحق أن صواريخ «باتريوت» الدفاعية لا تتهدد فعلاً روسيا. ولا يتجاوز مدى الصواريخ هذه 160 كلم، وهي لا ترد الصواريخ الباليستية الروسية ولا تصدها. وفي وسع الطيران الحربي الروسي أن يدمرها. وواشنطن على موقفها المؤيد لمشاركة روسيا في الدرع الصاروخية الجديدة الشاملة المرتقب نشرها. وعلى رغم التعاون الروسي – الاميركي في القضايا الافغانية والايرانية، يحتمل ان تبرز مشكلات كثيرة تبعث التوتر في العلاقات الروسية – الاميركية. فعلى سبيل المثال، قد يخلف انسحاب الاميركيين السريع من افغانستانروسيا وحيدة في مواجهة تحديات المنطقة . وتقوض موافقة روسياالولاياتالمتحدة على فرض عقوبات جديدة على إيران العلاقات الروسية – الايرانية الاقتصادية والاستراتيجية . والنفوذ الايراني يتعاظم بالشرق الاوسط، في وقت يتقهقر النفوذ الاميركي. ويبدو ان السبب في فتور العلاقات الروسية – الاميركية هو افتقار الطرفين الى تصور واضح عن بنية العلاقة المرجوة. وتخلص كلتا الولاياتالمتحدةوروسيا الى أن دور الاخرى الدولي يتضاءل ويصيبه الضعف. ووراء استخفاف الولاياتالمتحدةبروسيا، وهي الراغبة في أداء دور قطب عالمي مستقل، المشكلات الداخلية الروسية الكثيرة والضخمة، ومحاصرة المراكز الاقتصادية العالمية لها. وتلجأ روسيا الى المناورة، وتحاول الاختيار بين التعاون مع الولاياتالمتحدة وبين التعاون مع مراكز قوى اخرى. وتحتاج اميركا حاجة ماسة الى التعاون مع روسيا في المسألتين الافغانية والايرانية ، للحؤول دون انتشار السلاح النووي، في وقت ترفض الصين فيه التعاون. والتنسيق الاميركي – الاوروبي خارج الاطار الاوروبي - اطلسي، هزيل. ولا ريب في ان اوباما يبذل جهوداً حثيثة لتصحيح أخطاء الماضي، وهو يراعي رغبة روسيا في الاحترام. ولكن روسيا تولي الاهمية الأولى إلحاق الضرر بالآخرين اكثر من اهتمامها باعتراف اميركا بها، وتنتهج اسلوب المناورة والانتظار من غير حسم. ولن يتبدد غموض العلاقات الروسية – الاميركية قريباً. فواشنطن وموسكو عاجزتان عن تشخيص دوريهما في عالم القرن الواحد والعشرين تشخيصاً دقيقاً. ومصطلح «تحسين العلاقات» هو من بنات سياسة أوباما. وهو في مثابة عبارة مجازية تتستر على غياب استراتيجية واضحة. * صحافي ، عن «برافدا» الروسية، 21/1/2010، إعداد علي ماجد