تسود أجواء متشائمة في أوساط البنكيين الكبار في أميركا وأوروبا، وهو ما دعا احدهم إلى أن يطالب الرئيس باراك أوباما بعدم إغلاق معتقل «غوانتانامو» الشهير لأنه يجب نقل البنكيين إليه. والطرفة تعبير مهذب عن احتجاج كبار البنكيين على الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية لتقليص عوائدهم وامتيازاتهم. ففي أميركا كافأت المصارف الكبرى مسؤوليها التنفيذيين بجزء من أسهم المصارف التي يعملون فيها بدلاً من صرف الامتيازات السنوية نقداً، وفي بريطانيا أقرت حكومة براون ضريبة قدرها 50 في المئة على الدخول والامتيازات الضخمة التي يتقاضاها كبار موظفي المصارف البريطانية. ولأن نتائج بنوكنا السنوية التي تتابعت خلال الأسبوع الماضي جاءت صادمة ومحبطة، فإن اقل المطالب هو تشكيل لجنة على غرار «لجنة كارثة جدة»، للتحقيق في أسباب تردي النتائج وتدهور الأرباح السنوية والمراكز المالية لمصارفنا السعودية. ولعل أولى المهام المطلوبة حالياً من مؤسسة النقد هي تفسير اللازمة التي ختمت بها معظم المصارف إعلانات نتائجها، والتي تقول: «يعود الانخفاض في النتائج إلى حجم المخصصات التي تم تجنيبها هذا العام، وذلك للاستمرار في دعم المركز المالي للبنك»، وجاءت في إعلانات بنوك الجزيرة، والسعودي للاستثمار، والسعودي الهولندي، والسعودي الفرنسي، وساب، والعربي الوطني، وبنك البلاد. أي ان سبعة من عشرة بنوك (من دون الإنماء) ختمت إعلاناتها بهذه اللازمة. وهل هذه المخصصات في مقابل ديون متعثرة ومشكوك في تحصيلها، أم انها ستكون احتياطياً، وبالتالي هي أرباح غير موزعة؟ وان كانت الأولى فلماذا؟ وهل ستكون لمرة واحدة أم أن هناك ديوناً متعثرة أخرى سيتم اقتطاعها تباعاً من أرباح المساهمين في الأعوام المقبلة؟ وان كانت الثانية فلماذا أيضاً؟ ثم كيف يحقق بنك الراجحي أرباحاً زادت على ما حققه في 2008 على رغم انه اقتطع مخصصات بلغت 1.7 بليون ريال بحسب تصريح رئيسه لقناة العربية؟ وكيف حقق «سامبا» وبنك الرياض أرباحاً فاقت نتائجهم في 2008، على رغم أنهم يعملون في السوق نفسها وفي الظروف نفسها؟ وكيف ضاعف البنك الأهلي أرباحه من بليونين إلى أربعة بلايين ريال بين 2008 وهذا العام؟ إن تدهور أرباح المصارف السبعة في هذا العام مؤشر خطر على سلامة أوضاعها ومواقفها المالية، فالسعودي للاستثمار قلب أرباحه في الربع الثالث إلى خسارة كبيرة في الربع الرابع، وبنك «الجزيرة» لم يحقق في عامه كاملاً أكثر من 27 مليون ريال أرباحاً صافية، وهو ربح تحققه الشركة الفردية الصغيرة وليس مصرفاً رأسماله 3 بلايين ريال، ومثله البنك السعودي الهولندي الذي انحدرت أرباحه بنسبة 93 في المئة، وأسوأ من ذلك بنك البلاد الذي حقق أول خسارة في تاريخه بمقدار 248 مليون ريال، وهذا من المؤشرات الخطرة لأن خسارة مصرف مقدمة لإفلاسه، ومن ثم ستجد الحكومة نفسها مضطرة لدعمه من خزانتها حتى لا يتهاوى النظام المصرفي بكامله. إن النتائج المالية السنوية للبنوك جاءت «ملغمة» باللازمة المذكورة من دون أية تفاصيل تعطي صورة واضحة عن حجم الديون التي خسرتها هذه المصارف، وحملتها لمساهميها بسبب عجزها عن استيفائها. واختم بانه يجب على مؤسسة النقد التي تعد بمثابة البنك المركزي تكوين لجنة عاجلة لمراجعة قوائم البنوك المالية، ومحاسبة الإدارات السيئة التي وصلت بمصارفنا إلى هذه النتائج المقلقة، وقبل هذا وذاك النظر في الامتيازات التي يحصل عليها الكبار في هذه البنوك، ولعل إعطاءهم في مقابلها أسهماً في بنوكهم التي يديرونها ليذوقوا ما ذاقه المساهمون على أيديهم هو الخطوة الأولى لمعاقبتهم. اقتصادي سعودي - بريطانيا [email protected]