حبل صغير.. هو ما تبقى للمسن أحمد بن جابر العزي ليساعده على النهوض والتنقل في منزله الصغير المتهالك في وادي رحب بالجبل الأسود التابع لمحافظة الريث بمنطقة جازان بعد أن قضى نحو قرن في ذلك الجبل. تحكي تقاسيم وجهه أبلغ عبارات الألم التي سطرتها تجاعيد الزمن، وبنبرات حزينة ذرفت معها الدموع بدأ المسن أحمد حديثه عن معاناته التي عايشها منذ نحو 100 عام في الجبل كانت شاهدة على تأخر وصول الخدمات في ذلك الجبل الحالم الذي طالما أسر قلوب العديد من السياح سواء من داخل المنطقة أو من خارجها، حيث أصبحت المشاريع المتعثرة والمتأخر تنفيذها في الجبل الأسود تشكل علامة استفهام لدى المواطنين متسائلين.. هل لبعد المسافة دور في تعثر واختفاء تلك المشاريع؟. والتي تسببت في حرمانهم كثيرا من الأمور الحياتية كالتعليم والمياه والصحة بخلاف الكهرباء التي صمدت أمام وعورة الجبل وشقت طريقها وصولا لأعلى القمم، وينتظر الأهالي زيارة للجهات المختصة لتضع حدا لتعثر مشاريع سفلتة وتعبيد عدد من الطرق التي تم اعتمادها منذ سنوات، وتعثر إنشاء المدارس ومراكز الرعاية الأولية، بالإضافة إلى حاجة القرى للخدمات البلدية من إنارة وأرصفة وإنشاء حدائق عامة ومتنفسات للأطفال، وتوفير شبكات للمياه وإحداث إدارات خدمية ومكتب للضمان الاجتماعي. حرمان وعجز دموع المسن أحمد العزي تعبر عن قلة حيلته ومرارة الحرمان، عمره تجاوز المئة عام.. وأكبر أبنائه "يحيى" مصاب بمرض السرطان ولا يملك هوية وطنية رغم امتلاك والده لها وما زال أبناؤه من بعده يتجرعون معاناة "الهوية". ويشير الشقيق الأصغر ليحيى إلى أن أخاه حرم من التحويل إلى مستشفى متخصص بسبب عدم امتلاكه للهوية الوطنية، وقال "لم يتلق العلاج بسبب عجزه عن استخراج الهوية الوطنية حيث لم يشفع له حصول والدي وأشقائي على الهوية الوطنية في تسهيل إجراءات إصدار البطاقة والتي تسببت في حرمانه من إعانة الضمان وتلقي العلاج،" وناشد الشاب سلمان المسؤولين وأهل الخير بالتدخل لإنهاء معاناة شقيقه لتمكينه من العلاج بأحد المستشفيات الخاصة. منزل رث جابر منديل.. قصة أخرى من قصص المعاناة في الجبل الأسود إذ يبلغ من العمر نحو 90 عاما له 6 من الأبناء لا يملك سوى منزل متهالك يهدد أسرته بالسقوط، ولم يتمكن جميع أبنائه من الالتحاق بالمدرسة بسبب الظروف المادية القاسية، كما أن زوجته جميلة أحمد تعيش مشاعر الحزن بعد أن باعت أبقارها وتنوي أن تبيع أغنامها لتكمل إصلاح سطح المنزل الذي لا يقيهم حرارة الشمس ولا برد الشتاء ولا يحميهم من زخات المطر المستمرة.. ورصدت "الوطن" خلال الزيارة الفتاة فاطمة (13عاما) وهي تساعد أسرتها في إعادة تثبيت شراع على سطح منزلها بمجموعة من الحجارة كاجتهاد منها في التخفيف من معاناة أسرتها. إعانة للعلاج ولم تمنع الحالة الاقتصادية التي يعاني منها أهالي الجبل الأسود من التكاتف مع بعضهم، فهاهم يجمعون إعانة "قطة" للشاب أحمد المصاب بالفشل الكلوي منذ 5 سنوات لتوفير قيمة المواصلات لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان. فيما يرى، أقارب المسن جابر حسين وزوجته "شوق" عرضهما على طبيب نفسي ودراسة حالة الأبناء قبل أن تنتقل إليهم الصفات المكتسبة من إصابة والدهم بانفصام الشخصية، والاكتئاب النفسي الشديد الذي تعاني منه والدتهم، والأسرة البالغ عددها 10 أشخاص يقطنان منزلا يفتقد كافة مقومات الحياة، فهو عبارة عن حجر مسقوف بشجر العرعر. حلم بمنزل أما قاسم العزي سبعيني يسكن مع ابن أخيه في غرفة واحدة تفتقد لأدنى احتياجات الأسرة فهو حتى لا يملك فراشا تنام عليه ابنته الوحيدة "نوال" التي ترفض تناول طعامها إلا من يد والدها المسن ولا يملك سوى الأرز كوجبة دائمة لها دون أية إضافات. ظاهرة تعثر المشاريع من جانبه، أكد شيخ قبائل العزيين بالجبل الأسود أحمد بن مغشي بأن تأخر وتعثر المشاريع بات في مقدمة مطالبات أهالي الجبل الأسود، وقال "أصبحت المشاريع المتعثرة ظاهرة متفشية في قرى المناطق الجبلية، وخصوصا تعثر طريق رخية الجبل الأسود، حيث إن مشروع السفلتة اعتمد قبل 5 سنوات بطول 6 كيلو مترات فقط ولم ينفذ إلى الآن، وكذلك تعثر مشروع المدرسة الابتدائية والمتوسطة وقد تم تسليم إدارة تعليم جازان 3 أراض قام بشرائها الأهالي ولم ينفذ بها أي مشروع سوى تنصيب بعض الأعمدة، بالإضافة إلى تعثر مشروع الطريق الدائري وتأخر إنشاء مركز للرعاية الأولية منذ عام 1411"، مشيرا إلى مشروع الرعاية الصحية كان في المرتبة الخامسة وأصبح في العام الجديد في المرتبة 69. وتابع "بالإضافة إلى التنفيذ الخاطئ لعقبة الدمين حيث استبدل المقاول الإسفلت بمادة الإسمنت والتي يصعب على السيارات السير عليها أثناء هطول الأمطار تعرضت العقبة لانهيارات صخرية وهي بحاجة لعبارات لتصريف المياه". وطالب الشيخ ابن مغشي المسؤولين بزيارة المناطق الجبلية والوقوف على سر غموض تعثر عدد من المشاريع، مؤكدا بأن عددا من مواطني القرى الجبلية يبحثون عن أسباب ذلك متسائلين في الوقت نفسه، هل لبعد المسافة دور في تعثر المشاريع. وعن معانات الأهالي مع شح المياه أكد شيخ الجبل الأسود أن هناك سقيا موقتة لا تفي بالغرض، وأضاف "هي غير صالحة للشرب، حيث يتم جلبها من مجاري الأودية والسيول"، وكشف ابن مغشي بأن الجبل يمتد بسلسلة المناطق الجبلية الحدودية حيث يعاني الأهالي من تواجد العمالة المخالفة التي أصبحت تهدد بنشر داء المخدرات، وقال "أصبح الجبل منطقة عبور للمجهولين"، مطالبا بإنشاء مركز للإمارة ومخفر للشرطة وعدد من الإدارات الخدمية للمساهمة في ضبط الأمن والحد من تسلل المخالفين. دعوة لاستثمار الطبيعة وحث ابن مغشي رجال الأعمال بالاستثمار في الجبل الأسود سواء كان بإنشاء الفنادق أو شقق للإيجار وذلك لما يتمتع به الجبل من طبيعة خلابة وما يشهده من توافد وكثرة السياح، وقال "الجبل مكسو بغطاء نباتي أخضر وأمطاره على مدار العام". مراكز حكومية إلى ذلك، أوضح محافظ الريث عثمان الراجحي أن الجبل الأسود يعد واجهة سياحية للمنطقة وبحاجة ماسة لوصول العديد من الخدمات، وقال "هناك تأخر في تنفيذ العديد من المشاريع خصوصا السياحية يأتي في مقدمتها مشروع طريق الجبل المتعثر منذ 5 سنوات،" لافتا إلى أنه تم إرسال العديد من الخطابات لفرع الطرق بجازان وذلك للتعجيل بتنفيذ مشروع الطريق. وتابع "كما يعاني الأهالي من تأخر تنفيذ مركز الرعاية الأولية وتعثر مشروع مدرسة البنين الابتدائية والمتوسطة إذ لم يتم اختيار الموقع المناسب لإنشاء المدرسة والذي يشكل خطورة بسبب ارتفاعه ولعدم وجود طريق آخر وكذلك حاجة القرى لشبكات المياه،" وأكد الراجحي بأنه تم عمل جولة ميدانية الأسبوع الماضي للجبل الأسود للوقوف على احتياجات ومطالبات الأهالي الخدمية والتنموية وجاءت التوصيات بإنشاء مركز تابع لإمارة جازان بالجبل الأسود وإنشاء مركز للشرطة، بالإضافة إلى المطالبة بإحداث عدد من الإدارات الحكومية ومكتب للضمان الاجتماعي وتوفير أماكن ترفيهية وحدائق عامة. 3 خطابات إنذار وعن تعثر مشروع مدرسة البنين الابتدائية والمتوسطة بالجبل الأسود أوضح مدير المشاريع والصيانة بإدارة التربية والتعليم بمحافظة صبيا المهندس ماجد حدادي بأنه تم إنذار المقاول من قبل وزارة التربية والتعليم بثلاثة خطابات، وكذلك تمت مخاطبته من قبل إدارة تعليم صبيا كآخر خطاب إنذار وبعده سيتم سحب المشروع منه وتغريمه وتسليمه لمقاول آخر". من جهته أوضح مساعد مدير تعليم صبيا أحمد بن علي ربيع أن الإدارة حريصة كل الحرص على إنشاء ثانوية للبنات والبنين بالجبل الأسود حسب أنظمة ومعايير وزارة التربية والتعليم ضمن ميزانية العام الجديد. فيما لم تتمكن "الوطن" من التواصل مع مدير فرع الطرق بجازان المهندس ناصر الحازمي للوقوف على أسباب تعثر مشروع طريق الجبل الأسود ولمعرفة المشاريع التي سيتم إدراجها ضمن ميزانية العام الجديد والتي ستخدم قرى محافظة الريث بما فيها الجبل الأسود، بسبب أن جواله كان مقفلا.