زاوية يكتبها : د .أحمد عبدالقادر المعبى لاشك أن كل مجتمع مكون من أفراد كالبنيان مكون من لبنات وعلى قدر سلامة اللبنات وقوتها تكون سلامة البنيان وقوته فما الكل إلا من البعض ومتى ما سلمنا بآثار الصوم علينا جسميا وعقليا تكون قد سلمنا بآثاره وفوائده العظيمة وحسب المجتمع عزا ونصرا ان يقوم بنيانه على أفراد صحت أجسامهم وسلمت عقولهم وأن يرتكز على جماعات صار الصبر ديدنها وقوة النفس طبعا لها وأصبحت الارادات الماضية شأنها في كل ما تقوم به . وما أحوجنا الى الصبر وقوة الإرادة التي لا تهن ولا تساوم على حق واذا كانت الظروف تقتضي اليوم ضرورة ترشيد الاستهلاك لمواجهة الظروف القائمة فان الصوم يحقق هذا الغرض حيث يمتنع المسلمون جميعا عن الطعام والشراب يتساوى فيه من حيزت له كنوز الدنيا ومن ملك شيئا يسيرا ومن لم يملك شيئا . وهذه مساواة بين العالم الاسلامي تشعره بوحدة الهدف والفكرة والمشاعر وتقارب بين هذه الملايين في أقطار الارض في وقت الاخذ والترك وعند العطاء وعند الحرمان بحيث يصبح الصوم قانونا عمليا لاصلاح الصفات الانسانية في الاغنياء التي افسدها اللين والنعمة والترف .ولا غرابة في ذلك فالصوم كما يقول الاطباء مفيد للبدن منبه للمعدة مذهب لكثير من الأمراض النفسية والجسدية يصلح الجهاز الهضمي والكلى والكبد وبعض الغدد المنتشرة في الجسم ويقي الجسم من الامراض الخطيرة كارتفاع ضغط الدم والبول السكري ويخفف من حدة التهاب المفاصل ويريح انسجة الجسم ويطهر الامعاء من السموم ويذيب الشحوم التي هي خطر على القلب وقد جاء في الحديث " اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا وسافروا تستغنوا " . الى جانب ان الصوم يهذب النفوس ويكفها عن الشهوات ويصدها عن الطغيان ويبصرها بحقيقتها وضعفها وشدة احتياجها الى الطعام الذي هو من بعض نعم الله عليها فتخضع له تعالى وتتضاءل امام عظمته القاهرة ولذلك قيل : " الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع .ولذلك قيل لكل فريضة حكمة وفرض الصوم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة يكسر الكبر ويعلم الصبر ويسن خلال البر حتى اذا جاع من ألف الشبع وحرم المترف اسباب المتع عرف الحرمان كيف يقع وألم الجوع إذا لذع . ولقد جعل الله رمضان كفارة لكثير من المعاصي التي يقترفها العبد فجعله كفارة لمن يجترئ على الفطر في نهار رمضان من غير عذروكفارة للقتل الخطأ والظهار واليمين والتمتع والقران في الحج ولا شك ان هذا التشريع الحكيم يدل على ان الصيام علاج للنفوس وتطهير لها من أدرانها ومفاسدها وصيانة لها من لوقوع في الضلال ولهذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم الشباب العاجزين عن الزواج الى الصيام وحبّبه اليهم ليحفظهم من الوقوع في الزنا فقال " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " . فحقاً إن الصوم وجاء من كل علة وشفاء لكل نفس .فهل حققنا مقاصد الصيام؟ ! واستفدنا منه نرجو ذلك وبالله التوفيق .