تشتهر منطقة الباحة بالعديد من الموروثات الشعبية العريقة معبرة عن جانب من ثقافتها في العديد من المناسبات ومنها العرضة الشعبية التي تدق طبولها في الحروب سابقاً وفي المناسبات وحفلات الزواج في الوقت الحاضر . ومازالت العرضة حاضرة بالمنطقة امتدادا - حسب ما ذكره المؤرخون - إلى عصور الأقوام البائدة قبل التاريخ ، فهي أسلوب يعبر عن الفرحة بين أهل المنطقة يجمع الأصالة والحداثة وصورة للماضي بكل ما فيه من شجاعة وكرم . وتعد العرضة في الباحة مزيجاً لمنظومة جماعية فنية تتوافق فيها نغمات الإيقاع لمن يقوم بالضرب على الطبول مع الحركة الجسدية لمؤدي تلك الحركة الجماعية , وعادة ما يصحب هذه الطبول والرقصات الألوان المختلفة من الشعر الشعبي الذي يجمع بين الوطنية والمدح وحب التراث والاعتزاز بالأجداد وأمجادهم . وتقوم العرضة على أساس وجود شاعر أو مجموعة من الشعراء بمصاحبة الطبل / الزير / الذي يصنع من جلود الحيوانات , ثم يأتي بعدها صفوف العراضة التي لا تقيد بعدد معين حيث تؤدى الصفوف العرضة على شكل الاستعراض والمشي بخطوة موزونة وبطريقة معينة , وغالباً ما يحمل العراضة بأيديهم البنادق والسيوف والرماح والجنابي مرددين لآخر بيت في البدع وآخر بيت في الرد . وتمثل العرضة جزء كبيرا من الألوان الشعبية التي تشتهر بها منطقة الباحة إلى جانب ألوان المسحباني واللعب والمجالسي وشعر النظم والمحاورة وألحان الجبل واللبيني والهرموج وغيرها من الأهازيج الشعبية التي تقال وقت الزراعة أو الحصاد أو البناء وفي مختلف المناسبات . ويصف العديد من عشاق العرضة الشعبية أنها تضفي البهجة والسعادة على الجميع بعد العناء والمشاغل وأعباء الحياة الخاصة ومن مظاهر الفرح إذا ينشد الشعراء أجمل ما لديهم من الشعر في مجال الحكمة والألغاز الشعرية التي لا ينجح في فك غموضها سوى فطاحل الشعراء إلى جانب أنهم يجدون فيها تجديداً لتاريخ من سبقوهم من الآباء والأجداد . وكان من رقصات العرضة قديماً رقصة الختان ورقصات قديمة تعبر عن عقد الصلح بين القبائل وأخرى تسمى «الميس» وهي تظهر براعة الرجل وسرعته في تظليل خصمه المقابل له بحركة الجسد يميناً ويساراً مع السرعة والخفة والتلاحق في شكل دائري استعراضي , وهي من أجمل اللغات الجسدية المعبرة عن القتال الفردي وتعد من أهم أنواع الرقص الرياضي الاستعراضي . والعرضة في الزمن القديم كانت تؤدى لتكون الحافز والمشجع المعنوي الدافع على خوض غمار الحروب والدفاع عن الديار وطرد الأعداء حيث أن بعض القصائد تقال بغرض إحباط العدو والتقليل من شأنه وهزيمته نفسياً قبل خوض المعركة وكذا بعد النصر . ولا يزال أهالي المنطقة يحافظون على العرضة وذلك ضمن الاهتمام بتراثهم خاصة في المناسبات والأفراح , إلى جانب اهتمام وتشجيع أجهزة الإعلام والهيئات المسؤولة عن الحفاظ على الفنون التراثية ومنها جمعية الثقافة والفنون بالمنطقة التي تعمل على إقامة العرضات طيلة أيام العام وفي مختلف المناسبات الرسمية وكذا في مشاركتها السنوية في المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية وفي الإجازة الصيفية للسياح . وبرغم ما تقدمه العرضة من متعة كبيرة إلا أن الأطباء يحذرون دائماً من الإفراط في «القفز» أثناء تأديتها كونها قد تؤدي إلى أضرار وكسور وانزلاقات غضروفية في العمود الفقري والمفاصل , ولكن حبها بين الناس وصلتها ببيئاتهم جعلها من أمتع الفنون الشعبية لديهم .