للكتابة عن الحب طقوس لا بد من أن تتوفر لمنح هذا الشعور الراقي حقه من الوصف .. والحب وان تعددت أنواعه يبقى هو الشعور الأنبل في الحياة ويبقى الممارسة الإنسانية المثالية كونه ساميا في نقاءه وصفاءه ... وكثيرا ما يقال أننا أصبحنا في عصر لا يعترف بالحب أو بالأحرى أصبح الحب يأخذ توجهات مادية تتدخل فيها المصالح والرغبات ولم يعد الحب ذاك العطاء المتناهي والسخي بل أصبح حب بشروط عصرية تلائم الاحتياجات المادية .. ورغم ما يقال إلا أنني أجد أن الحب لا يعترف بالزمان والعصر وليس للحب مسميات تحدد ماهيته ...كأن يقال حب مصلحة لأن الحب يوجد وحده وليس بفعل أوامر ذهنية توجه لقلوبنا فهو يصيبك في زمن ومكان مقدر لك أن تتواجد فيه لتلتقي بتوأم روحك الذي ستحبه كما لم تحب من قبل ... إلا أنني أجد أن الحب في عصرنا يأخذ محاذير كثيرة فالافصاح عن الحب في مجتمعاتنا العربية يعتبر أمرا معقدا في بعض الشيء، فبعض المجتمعات تتطرف في نظرتها الى فعل الحب لدرجة أن يصبح ذنبا أو جرما كبيرا يحاسب عليه الرجل والمرأة .. وفي مجتمعات أخرى يعتبر الرجل أن التعبير عن حبه ما هو إلا ضعف قد يؤثر على مركزه الاجتماعي كرجل ..ولربما كان ظهور نزار قباني الشاعر الذي تمرد على قوانين مجتمعه فتحدث عن أشواقه دون أن يلتفت الى تلك المحاذير هو ما أدخل مجتمعاتنا العربية الى حقبة جديدة جعلتها تتقبل هذا الشعور الراقي وتصادق على جوازه وشرعيته ..وقد أجزم أن قصص حب كثيرة ظهرت وطفت على السطح بعد أن بدأت المجتمعات العربية تقرأ آهات نزار ومغامراته في الحب والعشق .. ولعل هذه الأبيات من ديوان :تنويعات نزارية على مقام العشق من قصيدة "أحبك في عصر لا يعرف ما هو الحب" خير دليل على تمرده على الوضع الانغلاقي الذي تتخذه مجتمعاتنا الشرقية في نظرتها للحب ..فيقول نزار : يا سيدتي . أنت فضيحة جميلة أتعطر بها .. قصيدة رائعة أتمنى توقيعها . لغة تنزف ذهباً .. ولازورداً .. فكيف يمكنني أن لا أصرخ في ساحات المدينة : أحبك .. أحبك .. أحبك ؟ كيف يمكنني أن أبقى محتفظاً بالشمس في جواريري؟ كيف يمكنني أن أمشي معك في حديقة عامة ولا تكتشف الأقمار الصناعي أنك حبيبتي؟؟ ويؤكد نزار على أن الحب أمرا علنيا شئنا ذلك أم أبينا فهو يسكننا في كل الأماكن ويرتدي ملامحنا حيث نكون ونتغير لنكون كزهور تتفتح في الساعات الأولى من الصباح ... نشرق على الدوام ونحلق خارج المدارات التي تجمعنا بمن حولنا والأهم من كل ذلك هو أننا نتغير بشكل كبير فيصبح كل مانراه جميلا ونشعر بالوجود وكأنه حلقات من قوس قزح ارتبطت ببعضها البعض وتمازجت لتصبح ألوانها مخلدة الاشراق ... ذاك هو الحب في تألقه ... يمنحنا الحياة في كل لحظة . والحب أمر عفوي ... فهو كالطفل في براءته ... وكالطفل في دلاله .. وكالطفل في غضبه ... هو هذا الطفل الذي نحب أن نحتضنه وتستهوينا رائحته ونضحك عند تلعثمه ونخاف عليه حين يركض مندفعا ... إنه ذاك الكنز الذي نقضي العمر ونحن في محاولات لاكتشافه .. إنه المفاجأة السارة التي تختبئ داخل صندوق مدفون تحت رمال الشواطي ينتظرنا هناك كي نجده . "الحب ..مرض أخشى مايخشاه المصاب به أن يشفى منه" إرنست هيمنجواي * شاعرة وإعلامية سعودية [email protected]