تستمد منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" أهميتها من كونها تعنى بأهم المبادئ والقيم التي تقوم عليها الإنسانية بمعزل عن الصراعات السياسية والإيديولوجية والعرقية.. وتوجهها بشكل مباشر إلى الإنسان دون أية اعتبارات أخرى؛ فقد نصت الفقرة الأولى من ميثاقها التأسيسي على أن " تستهدف المنظمة المساهمة في صون السلم والأمن، بالعمل عن طريق التربية والعلم والثقافة على توثيق عرى التعاون بين الأمم لضمان حرية الاحترام الشامل للعدالة والقانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية لكافة الناس دون تمييز". وتعود البدايات الأولى للمنظمة إلى عام 1945 م حيث وقّع على وثيقة التأسيس 22 دولة من بينها الملكة العربية السعودية، وسعت المنظمة منذ ذلك التاريخ إلى دعوة بقية الدول للانضمام إليها وذلك من خلال استراتيجية بعيدة المدى حتى نجحت في ضم 193 دولة بالإضافة إلى ست منظمات و أكثر من 50 مكتبا وعدة معاهد تدريسية حول العالم. فقد تم إنشاء هذه المنظمة في لندن ليكون مقرها باريس مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك متوازياً في الزمن مع تأسيس الأممالمتحدة في نيويورك. ويحكم أعمال منظمة اليونسكو هيئتان رئيسيتان، الأولى هي هيئة المؤتمر العام الذي ينعقد كل سنتين وتشارك الدول فيه بوفود رفيعة المستوى يرأسها وزراء، وأغلبهم وزراء التربية أو وزراء التعليم العالي أو وزراء الثقافة. وتقع على هذه الهيئة مسؤولية إقرار برامج المنظمة وميزانياتها، وأنشطتها، وخططها القصيرة والطويلة الأجل. وهي التي تخوّل الهيئة الثانية المتمثلة "بالمجلس التنفيذي" لمراقبة سير عمل المنظمة وتوفير الشفافية، ويتابع تنفيذ ما تتخذه الهيئة الأولى من قرارات. وللمنظمة أربعة برامج أساسية هي التربية، والثقافة، والعلوم الطبيعية والاجتماعية، والاتصالات والإعلام. وتدعم اليونسكو العديد من المشاريع كمحو الأمية والتدريب التقني وبرامج تأهيل وتدريب المعلمين، وبرامج العلوم العالمية، والمشاريع الثقافية والتاريخية، واتفاقيات التعاون العالمي للحفاظ على الحضارة العالمية والتراث الطبيعي وحماية حقوق الإنسان. عقدت المنظمة 34 مؤتمرا،حيث يناقش في كل دورة موضوعات مدرجة عبر عدة وثائق يجري الإعداد لها خلال عامين، بحضور قرابة 2000 مشارك و10 رؤساء دول وأكثر من 200 وزير تربية أو ثقافة أو علوم ونخبة من الخبراء والمتخصصين من جميع أنحاء العالم، وشاركت فيه المملكة العربية السعودية بوفد رأسه معالي وزير التربية والتعليم رئيس اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم. المملكة في المجلس استطاعت المملكة العربية السعودية ان تفوز بمقعد في المجلس التنفيذي 2007م لمدة اربع سنوات ويمثلها معالي الاستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر نائب وزير التربية والتعليم، وذلك تأكيدا لجهود المملكة في احلال السلام والامن الدوليين ونشر الثقافة والعلم في العالم ودعم الحوار بين الشعوب وحسن علاقاتها مع الدول الشقيقة والصديقة التي صوتت لها اثناء الاقتراع السري للانتخابات، حيث نجحت الدبلوماسية السعودية عبر مندوبية المملكة الدائمة في المنظمة ووزارة الخارجية تحقيق هذا المكسب الدولي المهم. ويأتي السؤال الآن عن الدور الذي تقوم به المملكة من خلال عضويتها في المجلس التنفيذي؟ وكيف يترجم فوزها بعد منافسة مع غيرها من الدول؟ فالجواب عن مثل هذه الاسئلة يتلخص بالقول: ان المجتمع الدولي رأى في انتخاب المملكة لمقعد في المجلس التنفيذي قدرتها على المساهمة في صناعة القرار، قياسا الى دورها المحوري بوصفها قلب العالمن الاسلامي والعربي، حيث تعمل اليونسكو على تطبيق خطة العمل العالمية للتعليم للجميع ودعم وتشجيع البحوث التربوية، وتعزيز شبكات العلوم والمعارف والتعليم في التخفيف من وطأة الكوارث، بالاضافة الى محاربة الفقر والهجرة ومعالجة مشكلات الشباب. كما قدّر المجتمع الدولي لها عطاءات المملكة وتبرعاتها لصالح فلسطين والبوسنة وبعض الدول النامية في افريقيا واسيا، وثمن مساهماتها في مختلف الانشطة، وفي وفائها للالتزامات الدولية في تنفيذ الصكوك والاتفاقيات الدولية، وعلى تصميمها في دعم التعاون والتفاهم الدولي من اجل السلام العالمي، كما ان الحصول على مقعد امامي في عضوية المجلس يفتح الآفاق والابعاد لاعمال مشتركة في المملكة يتم تخطيطها وتنفيذها من قبل المنظمة والمملكة معاً في مختلف قطاعات واختصاصات المنظمة، خاصة في التربية والثقافة، وبذلك تحقق دعماً مباشراً للجهود الوطنية في تطوير وتعزيز اعمال بدأت بها المملكة، وتحتاج لخبرات المنظمة المتعددة والمتشعبة للارتقاء بها الى الطموحات المطلوبة. اما على الصعيد العربي، فان وجود المملكة في المجلس التنفيذي ضمانة مؤكدة للعرب لممارسة المملكة دورها واستخدام ثوابتها المعروفة في الدفاع عن القضايا العربية، ومنها قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، والدفاع عن وحدة العراق وسيادته واستقلاله وان ما يمكن ان يقوم به ممثل المملكة وبقية ممثلي الدول العربية معاً في معالجة مثل هذه القضايا يساعد المجتمع الدولي على تفهم وضع المنطقة العربية وظروفها ومشكلاتها ليوفر الامن والسلام في هذه المنطقة، ولا يمكن هنا نسيان ملف (التخريب الاسرائيلي لباب المغاربة بجوار المسجد الاقصى) الذي حاولت الدول العربية الاعضاء في المجلس التنفيذي تحريك الدور المنشود من منظمة اليونسكو بوصفها المنظمة الدولية المسؤولة عن حماية التراث العالمي في كافة انحاء العالم. وعلى الصعيد الاسلامي، فان هناك قضايا فكرية ودينية واجتماعية وسياسية، تتناول الحوار بين الحضارات والثقافات والاديان، وسيكون لممثل المملكة الدور البارز في الدفاع عن الدين الاسلامي الحنيف بفكر نير وفهم عميق امام ما يتعرض له ديننا من هجمات وما يحاك له من مؤامرات وبتعاونه مع ممثلي الدول الاسلامية الافريقية منها والاسيوية بالاضافة الى ممثلي الدول العربية ويستطيع الجميع التصدي لعناصر الشر من اجل تفاهم دولي مبني على الاحترام المتبادل لخير الانسانية. كما تتأكد هنا اهمية التراث والحضارة وذلك من خلال العمل على حماية وصون الممتلكات الثقافية والطبيعية غير المنقولة من خلال التنفيذ الفعال لاتفاقية التراث العالمي (المواقع والمعالم الاثرية) والممتلكات المنقولة (القطع الثقافية) وتضمين قائمة التراث العالمي المواقع الاسلامية المهمة. وفي عصر المعرفة الحديث الذي بدأت تتنافس فيه الدول للحصول على مكانتها الرقمية، تسهم عضوية المملكة في المجلس التنفيذي في المساهمة في وضع استراتيجيات وسياسات وممارسات جديدة من اجل ضمان الادارة المهنية للمعلومات، ومساعدة الدول الاعضاء على تطويع استراتيجياتها الخاصة بادارة المحفوظات والسجلات لمواءمة احتياجات المنتفعين التي تشهد تطورا مستمرا، واستحداث اساليب جديدة لنشر المعارف واستخدامها، ولاسيما من خلال وضع نماذج جديدة للتعليم.