نظرة إلى مسيرة الكون في تتابعها وترابطها تمنحنا قدر من التفكير الذي يدفعنا للتوقف عند كل فعل نقوم به فما يحدث من تقلبات مناخية في جزء من العالم يؤثر بشكل مباشر على أجزاء متفرقة من بقية العالم وينطبق ذلك أيضا على التقلبات السياسية والاجتماعية التي تدور في شتى الدول سواء البعيدة منها أو التي تقترب منا بحدودها وتضاريسها أو حتى بعاداتها ودياناتها لم تعد هناك خصوصية أو هوية بل امتزجت الحضارات الحديثة بشكل أو بآخر وقد يشبه ذلك المعنى الكامن في تفسير نظرية الفراشة وهي النظرية الفيزيائية والتي تأخذ معنى فلسفيا في تفسير ظواهر الترابطات والتأثيرات المتبادلة والمتواترة والتي تنجم عن حدث أول وقد يكون هذا الحدث بسيطا الا أنه يؤدي الى سلسلة متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية والتي يفوق حجمها بمراحل عما بدأت عليه ... وقد تناول المفسرون لهذه النظرية عددا من الاستنتاجات التي وضعوها في قالب تمثيلي يعطي لهذه النظرية معنى تقريبي فيقال كمثال أن رفة جناحي الفراشة في الصين قد يتسبب عنها فيضانات وأعاصير في أبعد دول العالم كأمريكا أو أفريقيا ... تأثير الفراشة هذا قد نطبقه على التغيرات الاجتماعية وتطور الحياة على الأرض فالنظرية في تفسيرها تدل على مدى ارتباط الأشياء ببعضها ... ونحن كمخلوقات نحمل صفات رفيعة كالتفكير والتصرف ونقوم بعمليات ذهنية متشابهة لذا نجد أنفسنا نتصرف بطريقة متشابهة أيضا ونتعلم من بعضنا البعض وبالتالي فاننا نؤثر ونتأثر ويحدث التغيير في مجتمعاتنا نتيجة لذلك التأثير . ونظرية تأثير الفراشة تظهر بشكل واضح فيما يسمى العولمة وهو مصطلح انتشر في كتابات سياسية واقتصادية عديدة في العقد الأخير، وذلك قبل أن يكتسب المصطلح دلالات استراتيجية وثقافية مهمة من خلال تطورات واقعية عديدة في العالم منذ أوائل التسعينات. ويستخدم مفهوم العولمة لوصف كل العمليات التي بها تكتسب العلاقات الاجتماعية نوعًا من عدم الفصل (سقوط الحدود) وتلاشي المسافة؛ حيث تجري الحياة في العالم كمكان واحد -قرية واحدة صغيرة- ومن ثم فالعلاقات الاجتماعية التي لا تحصى عددًا أصبحت أكثر اتصالاً وأكثر تنظيمًا على أساس تزايد سرعة ومعدل تفاعل البشر وتأثرهم ببعضهم البعض. وفي الواقع يعبر مصطلح العولمة عن تطورين هامين هما: التحديث Modernity، والاعتماد المتبادلInter-dependence ، ويرتكز مفهوم العولمة على التقدم الهائل في التكنولوجيا والمعلوماتية، بالإضافة إلى الروابط المتزايدة على كافة الأصعدة على الساحة الدولية المعاصرة. وتاريخيًا فإن مفهوم العولمة لا يتجزأ عن التطور العام للنظام الرأسمالي، حيث تعد العولمة حلقة من حلقات تطوره التي بدأت مع ظهور الدولة القومية في القرن الثامن عشر، وهيمنة القوى الأوروبية على أنحاء كثيرة من العالم مع المد الاستعماري. ولو أننا قارنا العولمة كمصطلح يشير إلى الترابط فهو هنا نجده يحقق فلسفة الترابط المؤثر والمتأثر التي تتضمنها نظرية الفراشة ... ويبدو أن العالم الأول لا يضيع وقته فقط في الدراسة والبحث والخروج بنظريات بل أنه يسعى لتحقيق تلك النظريات على أرض الواقع فالهدف في النهاية هو السيطرة والهيمنة باستخدام العلم . شاعرة واعلامية سعودية [email protected]