قبل أن يهل علينا الشهر الكريم بأيام كنت اشتاق إليه لاقرئه السلام وعند المقام الكريم في المسجد النبوي يأخذني الموقف رغماً عني فلا استطيع ان اقاوم رؤى الخيال وأن اتصوره ..المحب دائماً يتعلق بصورة لحبيبه في وجدانه ورؤاه وتصوره وخياله ..ان يتمثل بعيون رؤاه ليس فقط صفاته الكريمة بل وتقاطيع وجهه وملامحه وطلعته واشراقة نور عينيه وسني وجهه الكريم يا الهي ..كيف يمكن ان اتخيل صورة المصطفى الكريم اتمل وجهه وانا في عز اليقظة وهو في قلبي ووجداني وشعوري وكياني وان كان في زمان غير زماني؟ يا ليتني في منام احلم به مستضيئاً بنور هداه حين قال : " من رآني في منامه فقد رآني حقاً لان الشيطان لا يتمثل بي " .ترقرق الدمع في عيني تمنيت ان تتحول الدمعة الرقراقة إلى ملامح وصورة له في منامي ..ولكن ها انذا في عز اليقظة ان يسعفني بما يمكن ان يسعفني به المنام؟ ومع ذلك تخيلته ..عصرت خيالي وتخيلته ..استحضرت في ما قالته هند بنت ابي هالة التي رأته رأي العين هو وصاحبه الصديق رضي الله عنه بعد ان افلتا من المطاردين لهما الذين كانوا يحومون حول الغار .قالت هند تصفه لمن كانوا يجدون في طلبه حين اتوها يسألون عنه : " كان ذا مهابة نادرة ونوراً لا تشبع العين من رؤياه يتلألأ محياه كالقمر في عظيم الهامة متوسط الطول ليس بالنصيف الطويل ولا بالقصير المربع وليس نحيفاً وليس به امتلاء ولم يكن شعره جعداً ناعماً ولا خشناً وإنما هو بين وبين، وكان كث اللحية سواد عينيه شديد متسع الفم مفواهاً، اذا تكلم فصوته في وضوح نبراته سليمة فيها رقة وخشونة رجولية وتأثير قوي واسنانه بيضاء دقيقة رقيقة اذا تبسم يحس الانسان بنور اليقين والطمأنينة له ومحبته ويأمن له حتى لو لم يعرفه، منبسط يحس اليدين اشعر الذراعين سائد الأطراف عروق يديه وقدميه غير بارزة، خافض الحياء كالعذراء شديدة الحياء حياؤه يجعل في النفس مهابة وحباً نظره الى اسفل ينجذب النفس اليه ولا تنسى العين ملامحه لا يسع القلب إلا ان يخفض اجنحته له كأنما خلق ليجبل ويهاب ويحب " . وانا ارفع اكف الضراعة داعيا المولى العلي القدير ان يأتيه الفضيلة والوسيلة والدرجة العالية الرفيعة من الجنة والمقام المحمود والحوض المورود ..وجدتني اجهش ببكاء مختنق بلا صوت ..عيناي انسدل فيهما رداء من الدموع وقلبي يخفق وروحي ذائبة في محضر رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم اهتف بلا وعي تقريباً يا حبيبي يا رسول الله في شيء ما كان يهزني من اعماقي وانا امام المقام النبوي الكريم من أين يجيئني ذلك البكاء الذي يخلعني من الجذور يسكب في حنايا روحي فيضاً من النور؟ إنها حلية المصطفى الكريم ..حب غرسه الله في اعماقنا في حنايانا في اشواقنا منذ ان يولد الانسان فلا يعي الايمان حتى يكون رسول الله احب اليه من امه وأبيه وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤويه ..يقتنع الإنسان فيسلم ..ولكنه لا يؤمن حتى حب رسول الله . وكما وقفت هند بنت ابي هالة مبهورة تصفه وقف حسان بن ثابت بنفس الإبهار يقول وقد غشه نور المصطفى يهتف به : خلقت مبرءاً من عيب كأنك قد خلقت كما تشاء فمثلك لم تشاهد قط عين ومثلك لم تلد النساء ويهتز زهير الذي اباح المصطفى الكريم دمه ويخرج مستنجداً بكل من يعرفون المصطفى الكريم طالباً الصفح والغفران فلا يسمعه إلا ان يشعر بهيبة من ان يقف امام المصطفى ليطلب المغفرة فيجيئه متنكراً ثم يقف بين يديه مادحاً : إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول فيهتز المصطفى الكريم لهذا الشعر من شاعر مجهول . ويكشف زهير عن حقيقته ويخلع إرادية التنكر فيبهر المصطفى الكريم ان يدمحه من كان قد اهدر دمه بالأمس ..ويتقدم اليه وهو يقول : زه ..زه ..يا زهير .. اي زد ..زد ..ثم يلقي عليه ببردته فيكون العفو من الحليم الكريم بالمؤمنين رؤوف رحيم ..اي حب آلهي للمصطفى وآله يتغلغل في الشعيرات التي لا ترى من القلوب ويهتف الإمام الشافعي وهو يقول في محبة آل البيت : يا أهل بيت رسول الله حبكموا فرض من الله في القرآن انزله يكفيكموا من عظيم الفخر انكموا من لا يصلى عليكم لا صلاة له