تنتقل حركة الحياة في رمضان من النهارات الى الليالي ، فالصوم الذي يحد من النشاط أو هكذا يتخيل لبعض الصائمين ، يختصر ساعات الحراك على امتداد النهار، فالدوامات في الأعمال يتم اختصار ساعاتها تحت عنوان مشقة الصوم والحركة في اتجاهات عدة يتم تقليصها بحجة الصيام، والأعمال غير الملحة والضرورية يتم تأجيلها الى ما بعد العيد . هكذا يمكن للمراقب أن يكتشف مظاهر شلل تغييب الحياة العامة وحتى الخاصة في نهارات رمضان في الوقت الذي تدب الحياة واحيانا بعنف في لياليه، خاصة بعد أن تنتهي صلاة التراويح التي تتزايد تسارعات انجازها عاماً بعد عام، حتى ان البعض يبحث عن أين يتفوق هذا التسارع . في الوظيفة العامة عند موظفين يمكن تمييزهم يكون رمضان شهر سكون اضافة الى الصوم، ويتسم الأداء عندهم بالتباطؤ الظاهر للعيان ولأسباب الظروف التي تتراوح بين انعدام النشاط تحت ضغط السهر تعبداً، أو دواعي الجوع الذي يسببه الصيام، وحين يكون الانقطاع عن التدخين هو السبب تتوالد انفعالات عديدة قد تصل أحياناً إلى انفجارات غضب يفترض ألا تكون من سمة الصائمين، ذلك أن من أهداف الصوم تعليم فضيلة الصبر، وزيادة سوية الاحتمال والقدرة على مواجهة المواقف خارج اطار الظروف اليومية العادية التي تبقى في ظلها على امتداد أحد عشر شهراً من كل عام . هذه الصورة النمطية القديمة آن أوان محوها من ذاكرة الحركة العامة وحتى الخاصة في رمضان، فالصيام الذي لا يتجاوز الآن الانقطاع عن الطعام والشراب على امتداد ساعات النهار لا يفعل في جسم الانسان القادر على الانقطاع عن الأكل والشراب لساعات تتجاوز ساعات يوم واحد مهما طالت ، وما يدعيه البعض من تداعي القدرة وانقطاع النشاط احساس نفسي قد لا تكون له قواعد على أرض الواقع وبخاصة عند الساعات الأولى من النهار التي يكون الجسم ما يزال عندها يحتفظ بعناصر احتياجاته الأساسية على عكس ما يكون عند الساعة او الأكثر الأخيرة من نهار الصيام حين تتناقص هذه العناصر لحدودها الدنيا . لا ندري كيف سيكون الوضع في الرمضانات القادمة التي يتقدم وصولها باتجاه أشهر الصيف ، هذه الأشهر التي يزداد طول نهاراتها، اضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة فيها .كيف سيكون حال الذين يفقدون نشاطهم ومعه يفقدون رغبتهم في أداء أي حركة حين تصل ساعات الصوم إلى خمس عشرة ساعة أو يزيد في أجواء صيف حار تصل حرارته إلى مشارف الخمسينات؟ ! صام الآباء والأجداد في ظل ظروف استثنائية أكثر صعوبة من هذه التي نصوم فيها وتحملوا مشاق صوم وهي اضعاف اضعاف ما نواجهه هذه الأيام وما نال ذلك من نشاطهم أو أثرَّ في عطائهم .وهانحن اليوم حين غدت ظروفنا أكثر راحة نجعل من شهر الصيام شهرا تنعدم فيه انتاجيتنا أو تكاد .