يأتيك بصوته الرخيم وحروفه المشدودة على وتر الإحساس من داخله فيأخذك إلى عوالم من الشجن والإبحار نحو أطياف الهوى، ذلك الهوى العذري المشوب بالصدق والوفاء.إنه أحد الاصوات القادرة على الشدو الجميل في لغته الجميلة التي يأخذها الى عقله فتأخذه هي إلى عوالمها الممتعة. انه ذلك الشاعر المذاب في أعطاف الكلام لغة وإيماءة وغناء، انه الشاعر العربي الكبير الاستاذ فاروق شوشه اسمعه وهو يأخذنا في هذا الليل ممسكاً بأطراف النيل وهو يدور به الى معالم القاهرة متخذاً من عباءته ستاراً على البر الشرقي: لنقرأ تناغمه مع النيل في هذا الليل البهيم. ألقى النيل عباءته فوق البر الشرقي ونامْ هذا الشيخ المحنيُّ الظهر احدودب ثم تقوّس عبر الأيام العمر امتد وليل القهر اشتد وصاغ الوراقون فنون الكِذبة في إحكامْ لكن الرحلة ماضية والدرب سدود والألغام حمل العُكَّازَ وسار يحدق في الشطآن وفي البلدانْ قيل : القاهرةُ توقفَ جاء يدق الباب ويحلمُ هل سيصلي الجمعة في أزهرها? يمشي في (الموسكي) و(العتبة) يعبر نحو القلعةِ أو يتخايل عُجْباً في ظل الأهرام وقف الشيخ النيل يحدق لم يلق وجوهاً يعرفها وبيوتاً كان يطل عليها وسماء كانت تعكس زرقته وهو يمد الخطو ويسبق عزف الريح ويفرد أشرعة الأحلام وقف الشيخ النيل يسائل نفسه: هل تتغير سِحَن الناس كما يتغير لون الزيّ? وهل تتراجع لغة العين كما يتراجع مد البحر? وهل ينطفئ شعاع القلب فتسقط جوهرة الإنسانِ ويركلها زحف الأقدامْ? دق الشيخ النيل البابَ فما اختلجت عين خلف الأبراجِ ولا ارتدَّ صدى في المرسى الآسنِ أو طار يمامْ من يدري أن النيل أتى? أو أن له ميعاداً تصدح فيه الموسيقى ويؤذّن فيه الفجر فتختلج الأفئدة ويكسو العينين غمامْ؟ وتنحنح مزدرداً غصته عاود دق الباب الناس نيام ألقى النيل عباءته فوق البر الغربي ونام