* هناك شاعر لا يمكن أن تمل شعره وهناك شاعر لا تود أن تقرأ شعره هناك شعراء سجلوا أسماءهم في قائمة "الخالدين" شعراً منذ الزمن الأول فهؤلاء لا يمكن أن تنساهم أو حتى تتناساهم فشاعرنا الفذ السيد محمد حسين فقي رحمه الله أحد هؤلاء الأعلام في عالم الشعر سواءً ما كان يطرحه من مضمون شعري راقٍ أو في سبكه للقصيدة ذلك السبك الماهر أو في تعدد أغراضه الشعرية فكان سيلاً هادراً في عطائه حتى أصبح من النوادر في ذلك العطاء الذي لا يتوقف هذه قصيدة عن عام مضى ننشرها ورجال الفكر والأدب على موعد قريب مع احتفالية جائزته التي تقيمها مؤسسة الفرقان في القاهرة بإذن الله. مضى العام ما أرثيه حُزْناً ولا أبكي فقد مسني فيه الشديد من الضَّنْكِ وراح وبعضٌ من حياتي بكفّه صريع وبعضٌ مستطار من الفتْكِ فهل منه أبكي أم عليه وهذه مآسيه عما قد لقيت به تحكي؟ مآسيه كلا قد ظلمنا سنيننا فما من بكاء بالسنين ولا ضحْكِ ولكننا نبكي ونضحك تارة من الناس مما يضمرون من الإفكِ تنشقتُ ريَّا المسك ثم لفظتُها وقد عَلقَتْ أنفاسهم بشذى المسكِ فيا قمتي إني سأنزل راضياً إلى الدَّرْك ما داموا بعيدا عن الدَّرْكِ فلو أنني أقْوى على الزيف مثلهم لعفتُ يقيني وانصرفت إلى شكي ويا ربَّ قيدٍ في الحياة رضيته وآثرتهُ - خوف الأنام - على فكِّي فيا طالما شدت البناء فألَّبوا عليَّ وراحوا يعملون على دكِّي وأستر من عوراتهم فتجرُّني طبائعهم بالرغم مني إلى الهتكِ كأنِّي بهم في الغاب بين فرائسٍ وبين ذئاب في سباق إلى الهلكِ سباقٍ يرون الفتك فيه شريعةً ولون الدم المسفوك من فتكهم يُذكي فما ثمَّ من يحنو عليك من الردى ولا ثمَّ من يرثى لبلواك أو يبكي *** فيا سنةً ولَّتْ وولَّت بذيلها فواجعُ كانت من أُناسكِ لا منكِ لقد كنتُ طيراً في الفضاء مغرداً أحطُّ على روض وأشدو على أيْكِ سنينٌ تولَّت بتُّ فيها على الندى وحلَّتْ سنين بت فيها على الشوكِ فما كنت أزهو بالسنين حوانياً ولا كنت مما تبتليني به أشكي ولكنني كنت امرءاً متجلدّاً أعيش على منحي كعيش على تَرْكي وكنتِ ككركيٍّ وكانوا جوارحاً ترى غفلةً الا تُنكّل بالكُركي لقد ألفتْ سفك الدماء فما لها وقد ظمئتْ ألا تحنَّ إلى السفكِ؟ عداني الردى منهم وإن كنت لاهفاً عليه وكانوا من رداي على وَشْكِ *** ويا عزلتي كيف استباحوكِ عنوةً وأنتِ ملاذي في عُزوفي وفي نُسْكي؟ يُشعشع فيك النُور إيمان قانتٍ ترفَّع عن زيغ وأعرض عن شِركِ وما صرفْتني عنكِ ضوضاءُ محفلٍ ولو كانت الضوضاء تفضي إلى الملكِ فإني لهذا الرهط ما أرجفوا به عليَّ من الزور المبالغ في الحَبْكِ؟ وما أنا من سِلْكِ المضلَّين وَيْحهم وليسوا وإن أدموا المحاجر من سلكي أنا العربيُّ القُحُّ غير مهجَّنٍ ولست بزنجي النِّجار ولا تُركي ولستُ بمن يعتزُّ بالجذْم وحده ولكن بأفكار تجمَّلن بالسَّبْكِ أسر بفلْكي في العباب وربما قطعت به ما ليس يُقطع بالفُلكِ أسير وفي يُمناي صَكُّ موثَّقٌ من الدهر أنِّي قد برِئْتُ من الصّكِّ *** ألا ايها النّوْكي سلامٌ فإنكم سعدْتُم فما أشْقى الحياة بلا نًوكِ ومتم وعشنا في عذابٍ مسهدٍ فالله من سُهدٍ أبيدٍ ومن نَهْكِ جدة في 4 محرم عام 1389ه - الموافق 22 مارس عام 1969م