أعان الله خادم الحرمين الشريفين وولي العهد والنائب الثاني لما عليهم من مسؤوليات داخلية وخارجية وأقل ما نفعله هو الدعاء لهم ولبطانتهم الصالحة بالتوفيق لخدمة هذا الدين وهذا الوطن. كنا مشغولين بعودة الدراسة وهل ستفتك بنا إنفلونزا الخنازير التي أرهبونا منها بقدر لا يوجد في أمريكا أو البلدان الأوروبية ولا أعلم من كان خلف ذلك، ثم أتتنا تصريحات من يريدون أن يتخذوا من الحج منبرا للرفث والفسوق، ولكن ولله الحمد، كم سررنا من تصريحات صاحب السمو الملكي النائب الثاني وزير الداخلية واستعدادهم لمواجهة أي تحديات. ونحن أيضا كنا مشغولين بجنودنا البواسل على الحدود الجنوبية يبترون دابر المتسللين والمهربين للأسلحة والمخدرات وغيرها، ثم أتى الحجيج ونحن في خوف من الأنفلونزا أو مشاكل الحج، ولكن وسّع الله على خادم الحرمين الشريفين في دنياه وآخرته لما قام به من توسيع للمسعى وللمشاعر المقدسة مما سهل على الحجاج أداء مناسكهم، وكنا ندعو بأن يصرف الله سبحانه وتعالى الأمطار عن المشاعر حتى يكملوا مناسكهم في يسر، وفي نفس الوقت أتتنا فاجعة جدة، ولم يتوقع أي منا أن يتم هذا الدمار في سويعات من المطر،ورحم الله الشهداء وألهم ذويهم الصبر والسلوان وعوضهم خيرا. ولقد أثلج خادم الحرمين الشريفين صدور المواطنين والمقيمين بأمره السامي بتعويض المتضررين وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول ما حدث وتحديد مسؤولية كل جهة حكومية على حدة أو أي شخص له علاقة بها، وسترفع اللجنة تقاريرها الى خادم الحرمين الشريفين، وسيعاقب المتسببون وسيعوض المتضررون، ونريد أن نؤكد ما جاء به الأمر السامي في عدم التمييز بين المواطن والمقيم خصوصا في السكن والمعيشة والإسكان. إن هؤلاء المقيمون سواء نظاميون أو غيرهم إنهم في ذمتنا وأمننا، وكما قال خادم الحرمين الشريفين إنهم في أعناقنا. ولكن ماذا بعد الفاجعة؟ علينا أن نستفيد من هذا التحذير السماوي لنصلح أمورنا ولن يكون ذلك إلا بتطبيق الصحيح وأول هذه الأمور هو تنفيذ وتطبيق أنظمة وتفعيل هيئات محاربة الفساد وبتره، ولدينا في جدة وغيرها من الجهات الرسمية كثير منه ولكن إلى أي مدى نستطيع أن نبتر الفساد، أم أن هناك حدود يقف عندها الكلام المباح. يجب إعطاء الصحافة المسؤولة والبرامج الإعلامية حرية الكلمة ولا نترك أصحاب المصالح من تغطية مفاسدهم وسرقة المال العام ولا يمكن إعفائهم، بل يجب أن يطبق النظام على الجميع وإلا سنرجع الى نفس الحال أو أسوأ منه. كنا نتسائل، لماذا لا يوجد ميزانيات كافية لمجاري وسيول جدة وكان ما نسمعه أنه لا داعي لمجاري السيول "لأن جدة ما يجيها مطر" وهؤلاء يجب أن يعاقبوا أو يأنبوا على الأقل. وأعلنت المالية أنها اعتمدت أحد عشر مليار ريال للصرف الصحي وتصريف السيول بجدة "الوطن 3357" فأين ذهبت هذه الأموال؟ أم أن وزارة المالية تصرف دون تدقيق من ممثليها الماليين والفنيين؟ وهذا بعكس ما نعرفه عنها من شدة وتدقيق، أم أن هناك إهمالا وتسيبا وفسادا في القضية؟ ونتساءل، ما هو دور وزارة المالية وأين تنتهي مسؤولياتها؟ يجب أن يستفاد من فاجعة جدة مهما كلف الأمر بإزالة وتعويض أصحاب الأملاك المبنية في مجاري السيول وإنشاء السدود والمجاري اللازمة لتوصيلها الى البحر. على الدولة تخصيص ما يلزم من مليارات ليس فقط لإزالة آثار الفاجعة بل لبناء البنية الأساسية لمحافظة جدة من محطات وشبكات تصريف للمجاري بمواصفات عالمية متزامنة مع تمديد شبكة توزيع مياه جدة لتوفير هدر ما نسبته من ثلاثين إلى خمسة وثلاثين في المائة وتجنب اختلاط المياه الجوفية الموبوءة بمياه الشرب، ومتزامنة مع تمديد كوابل كهرباء خصوصا أن كثيرا منها انتهت فترته الإفتراضية ثم تنشأ الكباري والأنفاق ووسائل النقل مثل المونوريل أو القطارات. ومن المؤسف أن نسمع أن مدينة الكويت، وهي لا تقارن بحجم مدينة جدة تبني شبكة قطارات فيها ستون كيلو مترا تحت الماء، ولا نستغرب من ذلك فمدينة سان فرانسيسكو متصلة بمدينة أوكلاند بخطوط قطارات تمر تحت خليج أوكلاند، وكذلك بريطانيا تتصل بفرنسا بقطارات تحت الماء ونحن نغرق في نفق جديد فوق الأرض في أمطار لا تزيد على الساعات الثلاث. إننا أبناء جدة نساهم في هذه المشكلة بطول صبرنا وعدم طرق أبواب المسؤولين خوفا من هذا أو ذاك، ولكن في النهاية نحن دفعنا وسندفع الثمن. لماذا جدة لا تحصل على أساسيات الحياة؟ لماذا محطات التحلية تصيب أبناءنا وعوائلنا بالأزمات الصدرية لما تذره من سموم في الجو حتى ابنتي التي لم تصل سن العاشرة أمرتني بأن أصور الأبخرة الصاعدة من محطات التحلية على طريق الملك وأنشرها في الصحيفة ولا تعلم الصغيرة أنه إما علينا الموت خنقا أو الموت من العطش. إن بعض الموظفين يدعون أنه لا خطر من هذه الأبخرة وسنصدقهم إذا تركونا نحضر هيئات دولية تحلل وتثبت صدقهم. ألا يمكن أن نبني محطات جديدة خارج جدة خلال سبع سنوات ونخصص لها المواقع والمخصصات أم نستمر في الصبر والدعاء؟ إننا نتطلع من اللجنة القائمة إلى أن ترفع إلى مقام خادم الحرمين الشريفين أن من أسباب الفاجعة الفساد الإداري والتسيب الحكومي والإهمال المالي وعدم صدق المراقبة وأن جدة مفتقرة لأدنى متطلبات الحياة الكريمة لسكانها. لا ماء ولا كهرباء كافية ولا هواء نقي وشواطئ موبوءة. من يريد أن يقنعنا أن جدة لم تهمل فليفتح دفاتره ويسمح بالنقاش المفتوح المعلن حتى يدلي أهل جدة بدلوهم. نريد هيئة لمحاربة الفساد في جميع الأجهزة الحكومية دون استثناء، لأن غير ذلك هدر للمال العام. نريد ضريبة أو رسوما على الأراضي البيضاء التي تزيد مساحتها على ألف متر مربع في النطاق العمراني لجدة تصرف على جدة وليس عوضا عن ميزانيات الدولة لها. نريد عندما نبني البنية التحتية من جديد نخططها لاستيعاب مبانٍ متعددة الطوابق بدلا من الامتداد الى مجاري السيول وسفوح الجبال. نريد صلاحيات لإدارة منطقة مكةالمكرمة لأميرها ومجالس المنطقة والمحافظة والبلدية لوضع ميزانياتهم وأولوياتهم ومراقبة الأجهزة الحكومية ومنع تعيين أو انتخاب أي أمين لأي مدينة أو محافظة رئيسا لمجلسها البلدي وإلا فلا داعي للمجلس. نريد من معالي وزير المالية أن يلغي نظام ترسية العقود على الأدنى سعرا حيث ثبت فشله وهدره للمال العام وتأخيره للمشروعات. ونريد من معاليه تقييم الجهات المالية في الوزارة كل مشروع قبل طرحه للمناقصة. نريد شركات عالمية للتصميم والتنفيذ السريع ونريد أن نطمئن على اعتماد المخصصات لذلك. نريد لجدة ما يليق بها بعد سنوات الإهمال. وكم سررت من بناتنا ونسائنا وشبابنا وبعض مواطنينا الذين قاموا بالعمل التطوعي لمساعدة المتضررين، ولكن للأسف لم أرى دور لرجال الأعمال، إلا رمزا، وكأنهم "جالسون على الحيطة ويسمعون الزيطة". أين إمكانيات وآلات وجرافات وعمال شركات المقاولين الذين تعبأت حساباتهم من خير مشاريع هذا الوطن؟ أين مساهمة الذين يأخذون المقاولات بالتكليف وليس بالمناقصات؟ أم يريدون أن تكلفهم الدولة وتدفع لهم؟ أين تبرعات رجال الأعمال في إمارة مكةالمكرمة أولا ثم في المملكة ثانيا، أم اكتفوا بدور الحكومة وتحميلها العبء كله مع وجود مجالات للمساعدة لا تغطيها المساعدات الحكومية أو لا تكفي الأجهزة الحكومية لتغطيتها، أم يريدون يوما وطنيا لجمع التبرعات حتى تظهر أسماؤهم؟ أين الذين يشترون لوحات فنية بالملايين تبرعا لعمل خيري عند وجود الأمير ولا يقدمون مليونا واحدا في هذه الفاجعة؟ أين الذين يتبرعون بملايين الدولارات للإعانات والجامعات وكراسي الجامعات الأجنبية ولا نسمع عنهم شيئا في هذه الفاجعة؟ لذلك لا أقول إلا "لا حول ولا قوة إلا بالله". نعم يا خادم الحرمين الشريفين نحن غير راضين عما حصل في جدة أو يخصص لها سنة بعد أخرى وغير راضين عن حال جدة خصوصا أن دولتنا ولله الحمد لديها من الامكانات والقدرات ما يفوق غيرها من الدول، ولكننا ألفنا الصبر والجبن ولم ندق بابكم، وها نحن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم لعمل الخير ويجعله في ميزان حسناتكم. وفق الله ولاة أمورنا لما يحب ويرضى. مواطن