أبدى عدد من المنظمات الإسلامية في منطقة القوقاز تخوفهم من أن تشجع الحرب الدائرة في أوسيتيا الجنوبية " بين روسيا والانفصاليين الأوسيتيين من جهة، وبين جورجيا من جهة أخرى " الحركات الانفصالية في المنطقة، وما يتبعها من زعزعة الاستقرار . وتخشى تلك المنظمات أن تعيش الأقليات المسلمة في " مناخ قمعي " حال وصول حركات انفصالية إلى الحكم . وقال محمد هني رئيس المركز الثقافي الإسلامي بمدينة سانت بطرسبرج شمالي غرب روسيا " الأحداث الحالية التي تجري في أوسيتيا الجنوبية تؤثر سلبا على مسلمي القوقاز، وتشجع حركات الانفصال بها، وهو ما قد يهدد الاستقرار في جمهورية روسيا الاتحادية التي تتألف من 130 عرقية " . وأوضح أن ظهور أي حركات انفصالية قد يضر بالمسلمين قائلا : " من مصلحة الأقليات المسلمة التي تتمتع بمساحة حرية معقولة أن تبقى كما هي في إطار الدولة التي تعيش بداخلها " ، مشيرا إلى أنه في حالة تفجر أي نزعات انفصالية في روسيا على سبيل المثال ربما يعيش المسلمون مناخا قمعيا تحت قيادة إحدى الحركات الانفصالية . وفي هذا السياق رأى هني أن الأقليات المسلمة التي سعت للانفصال عن الدولة الأم لم تجن خيرا حتى الآن " في إشارة إلى جمهورية الشيشان " . ولفت إلى أن " هناك جهات خارجية تسعى لزرع بذور الفوضى، وعدم الاستقرار في منطقة القوقاز غير المستقرة في الأصل " . وتخوض روسيا منذ الخميس الماضي حربا ضارية ضد القوات الجورجية في أوسيتيا الجنوبية، نجحت خلالها في السيطرة على أغلب أجزاء العاصمة تسخينفالي، بحسب الجيش الروسي، وذلك في أعقاب إعلان جورجيا انسحاب قواتها من المدينة . ولم تقتصر الهجمات الروسية على أوسيتيا الجنوبية، فقد أعلنت وزارة الداخلية الجورجية أن طائرات روسية قصفت قاعدة عسكرية، ومنشآت رادار قرب العاصمة الجورجية تبليسي فجر اليوم الإثنين . وإذا كان عضو المجلس التأسيسي للحزب الإسلامي الديمقراطي الجورجي داشجين جول ماميمدوف يتفق مع هني في مخاوفه بشأن تشجيع الحرب الدائرة للنزعات الانفصالية في القوقاز، فإنه يشدد على أن موقفه لا يعني الدفاع عن نظام الرئيس الجورجي ميخائيل ساكشفيلي . " أحضان الغرب " وقال ماميمدوف إن الدوائر الإسلامية في المنطقة تخشى من نتائج سياسة " الارتماء في أحضان الغرب، خاصة الولاياتالمتحدة " ، التي يمارسها نظام ساكشفيلي " . وأوضح " أن نظام ساكشفيلي معاد في جوهره للإسلام، وأنه يمارس التمييز ضدهم، وأنه مستعد لتقديم أراضي الجمهورية للولايات المتحدة؛ لتكون جسرا عسكريا ضد الدول التي تعارض مصالحها بما في ذلك الإسلامية " . وعلى الصعيد ذاته اتهم ماميمدوف نظام ساكشفيلي " بوضع قيود على مشاركة المسلمين في الحياة السياسية، والنظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية " . وتعد جورجيا حليفا قويا للغرب، وبالأخص الولاياتالمتحدة، ولديها طموحات أورو أطلسية، وهو ما دفعها للمشاركة بقوة عسكرية يبلغ تعددها 2000 عسكري في العراق في إطار قوات الاحتلال التي تقودها واشنطن، كما تبدي حكومة تبليسي استعدادها لإرسال قوات إضافية إلى أفغانستان في إطار قوات حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) ، بحسب مراقبين وفي هذا السياق يشدد نائب رئيس اتحاد مسلمي جورجيا إسلام سايداييف على " أن نشوب النزاع بين روسيا وجورجيا يصب في صالح من يعمل على إخراج روسيا من الخارطة ( الجيو سياسية ) في القوقاز " . ومن جهته وجه مركز التنسيق بين مسلمي شمال القوقاز الذي يترأسه مفتي جمهورية كاراتشايفا - تشيركيسيا إسلام حجي بيردييف، نداء للقيادة الجورجية طالبها فيه بوقف إراقة الدماء والجلوس على طاولة المباحثات . وفي بيان نشرته وسائل الإعلام الروسية قال المركز " الأمة الإسلامية في شمال القوقاز تشعر ببالغ القلق من اندلاع العمليات القتالية في أوسيتيا الجنوبية " ، وأعرب عن قناعة بأن المواجهة المسلحة لا يمكن أن تحل المشاكل المتراكمة في المنطقة . يشار إلى أن المركز تأسس عام 1991، ويضم الهيئات الدينية للجمهوريات الإسلامية في شمال القوقاز . حل سلمي العمليات العسكرية التي كان أغلب ضحاياها من النساء والشيوخ والأطفال، دفعت مجلس المفتين في روسيا إلى إصدار بيان وصفها بأنها " صفحة عار في تاريخ جورجيا " ، داعيا تبليسي إلى " الوقف الفوري للعنف ولإراقة الدماء، والبحث عن حل سلمي للنزاع، في ضوء القانون الدولي، ومصالح الشعوب التي ترتبط مع بعضها البعض بعلاقات تاريخية " . وبحسب المصادر الروسية فإن عدد ضحايا المعارك في أوسيتيا الجنوبية وصل إلى ألفي قتيل على الأقل، إضافة إلى نزوح أكثر من 30 ألف شخص من أوسيتيا الجنوبية، وهو ما دفع روسيا إلى اتهام جورجيا بتنفيذ " عملية إبادة جماعية " لسكان أوسيتيا الجنوبية البالغ تعدادهم نحو 70 ألف نسمة . ويرى مراقبون أن مؤسسات إسلامية تستخدم لهجة تصالحية في التعامل مع أزمة أوسيتيا الجنوبية، في مسعى لتجنيب الجمهوريات الإسلامية في منطقة القوقاز نشوب أية حروب جديدة، يدفع المسلمون ثمنا باهظا لها . وفي الوقت الذي تختلف فيه التقديرات بشأن عدد المسلمين في جورجيا، يؤكد نائب رئيس اتحاد مسلمي جورجيا إسلام سايداييف أن عددهم " لا يقل عن مليون ونصف مليون نسمة ( من إجمالي 4 مليون و600 ألف )"، مشيرا إلى أن السياسات العنصرية التي مورست ضدهم من قبل السلطات في جورجيا، أجبرت الكثيرين منهم على الرحيل باتجاه تركيا والدول المجاورة؛ مما أدى إلى انخفاض نسبتهم بجورجيا . وينتشر في الجمهورية أكثر من 200 جامع أغلبها تقع في إقليم أدجيريا التابع لجورجيا، والذي يتمتع بحكم ذاتي ..ويقع أدجيريا في جنوب جورجيا على الحدود مع تركيا ويحيط بها البحر الأسود من الشمال الغربي . وتتراوح نسبة المسلمين في أدجيريا بحسب سفير جورجيا في أذربيجان زوراب جموبريدزا بين 20 و ٪30 من إجمالي سكان الإقليم البالغ نحو 400 ألف نسمة .