يعود الشتاء حاملًا معه المطر، وسكون النفس، والأكواب الدافئة، وبصورة شخصية ،أحب هذا الفصل كثيرًا، بل أني أتعمّد التقصير ببعض جوانب الحياة والراحة للإستمتاع به، خصوصًا وأني أفضّل منظر السماء فكيف بهذا الفصل الممطر، بمنظر السحاب المتراكم، و تدرج ألوان الغروب الفاتنة، ولذلك حين يريد أحدهم البحث عني ،يجدني أمام النافذة أو أمام الأبواب أتأمّل منظرها. وبعودة الشتاء ،هناك العديد من العادات التي يشترك بممارستها معظم الناس إن لم يكن جميعهم، التي تجعل منه فصلًا مميزًا بالحب دون غيره. فأولًا المزاج الرائق والسعيد: ففي فصل الشتاء يرتبط المزاج السعيد بهذا الوقت من العام، فتجد كل من تحادثه أو يكون هناك تعامل معه بتهذيب وأخلاق تحبها فيه، حتى لو كان أصل التعامل في جانب الأعمال والجدّية إلا أن "الروقان" يغلب كل ذلك، ولهذا نجد أن إنجازها مثاليًا وخصوصًا في أوقات الدراسة أو ساعات العمل. ثانيًا الخروج من المنزل: لكل منطقة طريقتها في الإستمتاع بالشتاء، فالساحلية وجهتها البحر ،أمّا مناطق الرمال والجبال ،فإن أهلها يفضّلون "الكشتات" فتجدهم في النهار مستمتعين بالضوء و في الليل فإنهم سمّار على وقع دندنة الشتاء والأغنيات. ثالثا المأكولات والمشروبات الدافئة: يُنصف الشتاء الفصل في المركز الأول في إبداع صنع المأكولات والمشروبات الدافئة، مهما كان خريطة أصلها أو أساسها، فإن فيه تظهرمهارة صنعها، مابين الكرك والسحلب والقهوة وأنواع الشاي، بالإضافة للأكلات التراثية التي تتصدر سفرة الطعام أو أوقات اجتماع العائلة،ضاربين بزيادة الوزن عرض الحائط، وهذا هو أساس الشعور بحلاوة بالشتاء. رابعًا الألعاب والقراءة: لكل شخص عادته المحبّبة في الشتاء، من التحلّق حول لعبة ما مابين ضحك وغضب ، وما بين الإكتفاء بقراءة الروايات، هذه العادة التي تعيد التوازن للعقل بعد يوم متعب، ورغم ممارستها في بقية الفصول، إلا أن لهذا الفصل نكهته الخاصة. خامسًا تقبُّل التعب: رغم أن فصل الشتاء يأتي بالزكام أو أمراض الجهاز التنفسي، إلا أننا نتقبّل ذلك بحب، ليس رغبة بالمرض بل لأننا في أوقات الراحة نتفكرفي أنفسنا وحياتنا، ونتأمل ما نرجو الوصول إليه، فالراحة في السرير رغم سوء الحالة الصحية إلا أننا من خلالها يمكننا أن نتغير بصورة أحسن. ثم سادسًا وسابعًا وعاشرًا، كلما زاد عدد العادات ، زاد حب الشتاء، لكن ما أن تبدأ القطرة الأولى لنزول المطر، تنتشر عادة الفرح كعدوى محبّبة للقلب، فتجد الغرباء أصبحوا أصدقاء باللعب تحته، وتجد بعضهم رافعين أكفهم بالدعاء لله، فما إن ينزل المطر ، حتّى تكتسي الأرض بالحب، تلك القطرات بداية لقدوم أيام وليال ممطرة بالسعادة، بفعل كل ما كان مؤجلًا فيما مضى، بالتعافي من كل ما كان معكِّرًا لقلوبنا،فالمطر ما إن يطرق النوافذ ،حتّى تتبهج أرواحنا، فنشعر بأننا لم نمرّ ذات يوم بالتعب أو ضغوطات الحياة. وحده المطر ما يغسل أرواحنا بدلًاعن الأرض.