لقد فرحت صديقتي كثيراً وشعرت بالانتصار عندما أعطت طفلها الصغير جهاز الآيباد ، ليتوقف عن البكاء وينزوي بعيداً عنها في غرفته الصمّاء ، يقلّب شاشته الإلكترونية ، ويستعرض ما احتوته من صور وفيديوهات ، ثم يستقبل ما يبثه العالم الإفتراضي من مشاهد وأحداث قد تحتوي الغثّ الكثير ومن السمين القليل القليل. لقد نسيت صاحبتي أن طفلها المغلوب على أمره ، كان يريد أن يجري ويلعب فيقوى جسمه ، ويرسم ويلّون فيسعد ويبتهج ، ويشارك في الحوار فيتحسن نطقه وتنمو مهاراته ، ولأنه ُولِد على الفطرة السليمة ، فقد كان محقاً في البكاء ، ويستصرخ غريزة التفاعل البشري ، ولم يكن أبداً ينشد الإختفاء خلف شاشات تشلّ الحركة وتلجم اللسان . الآن وبعد أن أصبح الانترنيت هو محور حياتنا والذكاء الاصطناعي يهدّد وجودنا ، وبعد تصريح أيلون ماسك (ملك التكنولوجيا ) ، بأن الذكاء الإصطناعي سيسيطر على حياة الإنسان في المستقبل ،وسيتجاوز قدرات البشر وحتى تقنياته ستكون مفتوحة المصدر ويمكنها تجاوز كل الإختبارات ، فنحن هنا أمام امتحان صعب ، يفرض علينا وبقوة ، أن نعلق الجرس ونبحث عن حلول تقينا شر هذا الدخيل الجديد الذي لا مفر منه ، والسعي للحدّ من تأثيره السلبي على جودة حياتنا ، بحيث نستفيد من مخرجاته للصالح العام والتنمية المستدامة . وعلى قول الشاعر المتنبي : ومن نكد الدنيا على الحرّ… أن يرى عدواً له ما من صداقته بدٌ ! وتماشيا مع صرعات العصر ، فإن أطفالنا سيقتربون من الأجهزة الذكية شئنا أم أبينا ، فهو متاح بين أيديهم سواء في البيت وبرغبة الأمهات كما أسلفنا ، أو في المدرسة التي قد تلزمهم باستخدامه من أجل التعلم عن بعد أو للبحث والمتابعة ، ولهذا تقع على الأهل مسؤولية زيادة وعي أبنائهم الاجتماعي ، وإعدادهم جيداً للتحكم في تصفُّح مواقع الانترنيت ، وفهم ما تعنيه التكنولوجيا ، وفهم الرسائل النصّية ، وضوابط النشر عبر منصّات السوشال ميديا ، وتحديد مدة جلوسهم أمام الشاشات ، وتعليمهم مهارات البرمجة والترميز ( coding ) التي تحفّزهم على المثابرة والإبداع . وبما أن الذكاء الاصطناعي موجود في كل مكان حولنا ويكمن في خلفية أي بحث نجريه ، وحيث توسعت إستخداماته في الطب والهندسة والتعليم والصحة وعالم المال والأعمال وغير ذلك ، فإن معيار نجاح أي مؤسسة أو هيئة أو شركة ، صار يقترن بمدى قدرتها على تحليل وأتمتة بياناتها ، الأمر الذي سيجعل عملها أكثر دقة وأسرع إنجازاً وأقل تكلفة .. إذن فلنتصادق مع التكنولوجيا ، ولنبحث لنا عن مقعد فيها بحيث نسهم في تطوير برامج ذكائها الإصطناعي ودعمه بخوارزميات شاملة وشفّافة ، وإثراء عناكب بحثه بمحتوى فكري ومعرفي لامع ، ولعل الروبوت الآلي الأخير شات جي بي تي (ChatGPT) الذي أطلقته شركة openAI هو أفضل مجيب على استفسارات مستخدميه ، وهو خير من يوصل صوتنا إلى العالمية ويعزّز مكانتنا بين الأمم ، والله أعلم.