بين ماضى لا نستطيع تجاوزه، وحاضر لا يمكننا تغييره، ومستقبل ينتظرنا.. تمزقنا الذكريات بين الأمس واليوم وغدا.. تتجدد الأحزان أنه مشهد حزين يتكرر بداخلنا كل يوم.. يقولون أن الحزن يولد كبيرا ثم يصغر مع مرور الوقت ويتحول لذكرى، لكن بعض الأحزان قوية لدرجة أن بإستطاعتها أن تجعلنا نشعر بنفس درجة الحزن وحرقة الفقد لحظة وقوعه كل يوم! اليوم هو ذكرى وجيعتى فى العام الثانى لرحيل أبى.. لا يشعر بكلماتى إلا من تجرع من نفس الكأس، لقد كان أبى من الرجال الذين لا يسمحون للحزن أن يتسلل لقلوب أبناءهم منذ يومين أشتد الحنين على قلبى المتعب، فقررت أن أشاهد شريط فيديو يحمل الكثير من الوجوه التى أفتقدتها، بين تلك الوجوه وجدت أبى، كان يحتضننى بقوة وحنان ويغنى لى وعيناه تلمع من شدة الفرح والسعادة فى ذلك اليوم الذى أتممت فيه عامى الرابع! بكيت كثيرا بحرقه وإشتياق على تلك اللحظات التى حرمتنى منها الحياة دون سابق إنذار عدت بالذاكرة لتاريخ اليوم من عام 2017، يوم رحيل صديقى ووالدى وقصة حبى الأولى… يومها كان هناك الكثير من الوجوه التى لم أرغب فى رؤيتها أبدا من جديد، وكذلك وجوه حلمت كثيرا أن أراها فى لحظات السعادة.. لكن لم يعد لهؤلاء أو هؤلاء أى مكان الآن، ففقيدى كان بغرفته وحيدا ينتظر أن يرحل لعالمه الخاص بلا عودة كهذا اليوم من كل عام ذكرى موجعة حتى كتابة تلك الكلمات أبكى بشدة كما لو أن جثمان والدى ينتظر غسله ليوارى الثرى أعترف أننى إلى الآن لم أستطع تجاوز صدمة الفراق… فصوت أبى حينما كان يحاول إلتقاط أنفاسه بصعوبة ما يزال ملئ سمعى، ونظرته الأخيرة حينما رحل عنا إلى الآن أتذكرها جيداً، حتى صوت آخر نفس أستنشقه فقيدى مازلت أذكره لا يوجد كلمات يمكن أن توصل ما بداخلى من مرارة وألم على فقيدى، قد يعتقد البعض أن الوقت بإستطاعته أن ينسينى ولكن هناك أشياء أكبر من أن تنسى أو تمر مرور الكرام أو تتحول لذكرى مؤقتة تصطحبها رياح النسيان وترحل هل يمكن يا أصدقائى أن نختصر الأوجاع فى كلمة! بالتأكيد لا.. فالكلمة ما هى إلا متنفس صغير، يحكى تفاصيل كبيرة بداخلنا ولكن هناك تفاصيل كبيرة مخبئة بأعماقنا لا توصفها أى كلمات فى ذكرى رحيلك الثانية يا أبى أسال الله أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة وأن يشملك بنسائم رحمته كما عشت أنا وإخوتى فى جنة بالدنيا لم تحرمنا فيها من أى شيئ وكنت رحيم علينا وكريم كما عهدناك دوما إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ