مشاعر كالكراكيب القديمة والغالية انتابتني وأنا أرى جدّة ليلا من نافذة الطائرة، والمضيف يعلن الوصول ويخبر بدرجة الحرارة الخارجية ونسبة الرطوبة، يتحدث باسم الطاقم، بالتأكيد ان كابتن الرحلة يعرف انه يطير بقلوب هذه المرّة، وأنها ليست رحلة عادية. يا إلهي ما أجملها من لحظة، ارتسمت في مخيلتي كل الصور القديمة الباقية بالرغم من كل الأحداث والأعوام. جدة بثوبها الرمضاني، جدّة في ألقها الصيفي، جدّة حينما تعلن سماؤها مطرا خفيفا، لتغرق صفوفنا المدرسية بالمياه ونخرج للساحة، (ندعو) الله ونسأله الكثير، لأنهم قالوا لنا بأن الدعاء وقت المطر مستجاب. في المطار، الوجوه تغيرت، ولم تتغير الطيبة، عِشرة روحية مع شعب طيب، غرس في قلبي الكثير عن الحب والحلم والأمل. مغتربون من كل مكان. زحمة (لذيذة)، وترحيب (متوقع) من موظف الجوازات الذي يقارن بأدب ولطف بين الصورة الموضوعة على الجواز وبين من تقف أمامه منتظرة الخروج لمعانقة الطرقات والسماء ووجوه الناس خارجا، وكأنه يقول لي: "أنت ابنتنا لا داعي حتى لجواز سفر"، إنه فعلا الحنين. غفوت البارحة في حضن أبي، كنت أقاوم النعاس وحنانه والحنين في قلبي لأعود طفلة لزمان ومكان مضيا. كنت أستيقظ لألقي نظرة على (نافورة جدّة) من نافذة الحجرة، أنتظر لحظة أن (تغفو)، وأطمئن قلبي بأن الجدّاويين مازالوا على طقوسهم وسجيتهم وحبهم للسهرعلى ضفاف (الأحمر)، كل يلقي بسر له، وهو كاتم الأسرار، (واسألوني أنا). سعيدة أنا اليوم، سأذهب صباحا للسوبر ماركت، سأشتري (البلاد)، لن أقرأها اليوم عبر الإنترنت، سأقص مقالي، أحفظه كما كثير مما أحب على جدار القلب. أظنني سأذهب إلى ذات المقهى، سأتناول قهوتي،، سأزور مدرستي في شارع الأربعين، ما أروعني، أتذكر كل شيء جيدا. سأجيب على أسئلة الذاكرة: هل انتهى ذلك النفق؟ هل تغيرت مديرة مدرستي؟ هل ما زال كرسيي في المقهى في مكانه؟ يا ترى كم شخص مرّ عليه؟ كم عاشق مثلي للمكان في زمان ما أحبَّ وتأمَّل وحلم؟ سأمتطي صهوة كل مكان مررت به. تغيَّر كل شيء وبقيت أنا و(جدّة) عاشقين، قدرهما الفراق... أصدقاء الحرف: عيناه،، من وضعهما في طريقي؟ ليست (أمي).. ولا تلك (العرافة).. بريقهما،، يحميان قلبي،، يحصّنان تقلباتي وخوفي.. هل تكون عيناه (تميمة) لعمري؟ هل يصير حبه (خرزتي الزرقاء)؟؟؟ إعلامية وشاعرة أردنية [email protected]