لاعب أستراليا: كنا نستحق الفوز على السعودية    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    الحقيل يلتقي في معرض سيتي سكيب العالمي 2024 وزيرة الإسكان والتخطيط الحضري البحرينية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ الضيوفي    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    القبض على (7) مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الدكتور الربيعة: العمل الإنساني يعاني من تنامي الأزمات ونقص التمويل وصعوبة الوصول للفئات المستهدفة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعادة التنوع الأحيائي    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    المنتخب يخسر الفرج    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العَبَادِلَة .. وقيادة التَّعليم في جدة ..
نشر في البلاد يوم 15 - 06 - 2016


يوسف حسن العارف
قدر لي أن أكون معاصراً للتعليم في جدة، وموثقاً لكثير من فعالياته وإنجازاته، فلفت نظري تلك الموافقات العجيبة في أن يقود التعليم في هذه المحافظة الجميلة (ستةٌ) من «العبادلة» الذين تبدأ أسماؤهم ب «عبدالله»!! وفي السطور التالية رحلة معرفية، وذكريات تربوية مع هذه النخبة القيادية الذين عَرَفَتْهُم إدارة التعليم بجدة قيادة وريادة، إدارة وإنجازاً، عملاً وانتماءً. فأما الأول والثاني من (العبادلة) فلم أعاصرهم، ولكن التاريخ التربوي يذكرهم ويشير إليهم، وأولهما الأستاذ عبدالله المطلق أو (ابن مطلق) من أوائل من أشرف على التعليم في جدة تحت مسمى معتمد المعارف وذلك قبل إنشاء وزارة المعارف ولم نجد شيئاً عن سيرته ومسيرته التعليمية.
والثاني: عبدالله بن عبدالمطلب بوقس الذي أدار تعليم جدة تحت مسمى (مدير التعليم) في الفترة ما بين 1375-1394ه، وكان قد بدأ حياته العملية في المجال التربوي معلماً للتربية وعلم النفس واللغة العربية في المعهد العلمي بمكة المكرمة عام 1373ه ثم تحول إلى التفتيش الفني لمدة عام دراسي، ثم كلف مديراً للتعليم في جدة لمدة 20 عاماً تقريباً. وكان له جهود كبيرة في تطوير التعليم وأبرز تلك الجهود الدورات التدريبية الصيفية التي كانت تقام في الطائف لتأهيل المعلمين وتنمية قدراتهم التربوية وكان يشرف عليها شخصياً.
* * * * * * *
وأما الأربعة الباقون من (العبادلة) فقد عاصرتهم، وكان بيني وبينهم تعالقاً تربوياً ومعرفياً وثقافياً تنبئ عنه التفريعات التالية:
أولاً: الأستاذ الأديب، والصحفي اللامع عبدالله بن سليمان الحصين وهو ثالث (العبادلة) الذي أدار التعليم بجدة في الفترة من 1393-1395ه. عرفته – أول ما عرفته – في الطائف يوم كان مديراً لتعليمها في الفترة من 1392-1394ه، يومها كنت طالباً في نهاية المرحلة الابتدائية ثم المرحلة المتوسطة والثانوية وقد عاصرت جهوده التربوية في تلك المحافظة الحبيبة إلى نفسي حيث التنشئة والدراسة وأيام الصبا الجميلة.
كنا نقيم الاحتفالات والمهرجانات المدرسية الثقافية وكان يشرفها بحضوره ويبهجنا بحديثه وخطبه الارتجالية التي تدل على الوعي والمعرفة والمقدرة اللغوية، تعلمت منه عبارة رائعة لا أنساها ما حييت وهي قوله «لا عطر بعد عروس» ولم أفهم حينها معناها. ولما عدت إلى المدونات والمراجع التي تناقش الأمثال العربية تعرفت على بلاغة المثل والعبارة وأدركت فصاحة الحصين وثروته اللغوية (رحمه الله) وأصبحت أسيراً لهذه العبارة أتمثل بها في كلماتي وخطبي الارتجالية وقد قلت ذلك له في حضرته في إحدى أماسي «الاثنينية»(*). أذكر من مواقف هذا الرجل التربوية – ونحن في دار التوحيد الثانوية – وربما كنت في الصف الثاني أو الأول الثانوي، وكان الأستاذ الحصين مديراً لتعليم الطائف آنذاك، أن قام مجموعة كبيرة من طلاب الصف الثالث الثانوي بدار التوحيد بإغلاق أبواب المدرسة ومنعنا – نحن الطلاب الأصغر سناً – من مباشرة يومنا الدراسي، وغادرنا في مسيرة طلابية إلى مبنى التعليم للاعتراض على تأخر المكافآت!! وكان يوماً مشهوداً تحدثت عنه الإذاعات العالمية وأذكر أن إذاعة إسرائيل العربية أشارت إلى هذه الحادثة واصفة إياها بالمظاهرة والثورة الطلابية.
وصلنا – نحن الجماهير الطلابية – مع قياداتنا من طلاب الصف الثالث الثانوي (كبار السن) والمخططين لهذا العمل المتجاوز – آنذاك – وحاصرنا المبنى من كل الجهات. فما كان من هذا الإداري البارز والقائد البارع إلا أن احتوى الموضوع وحلَّ الإشكال بروحه الأبوية وقيادته التربوية!! ولمَّا عمل مديراً للتعليم في جدة في الفترة من 1395-1397ه لم أتشرف بالعمل معه، فقد كنت أتمدرس جامعياً في كلية الشريعة بمكة المكرمة ولم أتخرج بعد. لكني كنت أسمع عن آثاره ومآثره التربوية ودوره القيادي، ومنجزاته الإدارية آنذاك الشيء الكثير والجميل.
ثم جاءت فترة الاحتكاك الثقافي بهذا الرمز التربوي والقائد الإداري والصحفي اللامع بعد اشتغالي بالتدريس والإدارة في تعليم جدة (وكان قد غادر إدارة التعليم إلى وزارة التعليم العالي ثم مستشاراً بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة) حيث كنت أطالع طروحاته الفكرية والثقافية عبر صحفنا المحلية وأجد فيها نبراساً وطنياً، ومثقفاً أديباً، وقلماً ناقداً وكنت أجاوره في أمسيات الاثنينية وأستمع إلى أحاديثه ومداخلاته معجباً ومستفيداً، وتصاعدت الألفة بيننا ثقافياً وتربوياً حتى إنه أطلق عليَّ لقباً أعتز به حتى اليوم وهو «كاتبُ عَدلِ التَّعلِيمْ».
ثم امتدت بيننا التعالقات الثقافية من خلال منجزاته التأليفية في التربية والنقد والمجتمع. فهذا كتابه (أفكار بلا زمن)، وذلك كتابه (في الأزمات العربية)، وكتابه عن (شاعرة الرثاء/ الخنساء)، وكتابه عن (القيادة التربوية)، وكتابه عن (ملامح من عصر عمر بن أبي ربيعة).. وفي كل هذه المؤلفات نجد الروح العلمية، والمنهجية الفكرية، والطرح الثقافي الذي يتماهى معه القارئ معجباً بالأسلوب الأدبي، ومستوعباً للفكر المطروح.
وبعد أن توفى رحمه الله عام 1428ه وجدت له مقالة مبكرة نشرها في مجلة المنهل في عددها الأول من السنة السادسة والعشرين (محرم وصفر 1380ه) وعلى الصفحة (72) يتحدث فيها عن فكرة الصعود إلى القمر التي بدأ يتحدث عنها المفكرون والعلماء يقول فيها:
«تذكرت فكرة قرأتها لأحد الكتاب، كانت الفكرة تقول إن في استطاعة الإنسان ممثلاً في عقله المتطور وأفقه المحدود أن يكتشف المجاهل وأن يسبر غور الآفاق وأن ينتهي به الأمد والأمل معاً إلى أن يحط رحله في رحاب القمر..».
وأخذ يرد على هذه الفكرة واستحالتها وأنها فكرة تمثل «لوثة البشر ولوثة الأمل المجنون» ويختم هذا الرفض والاستحالة بقوله:
«الله أكبر من سياج الأمل.. الله أكبر من قوة البشر، الله أكبر من لمسات للغرور من همسات الأماني ومن حلاوة الانتصار..». إلى أن يقول:
«شعرت أن القمر المغلف بسدوم الغيوم يتطلع إلى العالم لينشر شعاعه على الدنيا وكأنه يتحدى الإرادة المهزوزة، يتحدى الامل الذابل، يتحدى الصاروخ البشري، ويتحدى العالم في نطاقه المحدود، في أفقه الضيق، في جوانبه البشرية لأنه نبض من أمل وقطرات من محيط. ومن المستحيل أن تستغرق القطرة فيض مصدرها».
كتب هذا الكلام – رحمه الله – وعمره 27 سنة. في بداية شبابه، وبداية ثقافته، لكنه كان مهموماً بالفكر والعلم وتجاذباته وطروحاته فأبدى هذا الرأي.. قلت في نفسي وكتبت ذلك إلى أسرته وأبنائه معزياً وداعياً له بالرحمة "هذا أبوكم (رحمه الله) في تلك السن المبكرة من عمره يتعالق ثقافياً مع هذه الطروحات العلمية ويرفضها مستبعداً حصولها وكأنه يستقرئ المستقبل ويتوقع الصراعات الفكرية المعاصرة حول صعود الأمريكان إلى القمر وأن ذلك مجرد تمثيل هوليودي وليس له من الحقيقة أي دليل!! رحم الله ثالث (العبادلة) وأسكنه فسيح جناته على ما قدم للتعليم والتربية والثقافة وجعل ذلك في موازين حساته.
* * * * * * *
ثانياً: وأما رابع (العبادلة) فهو سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الزيد، الذي أدار التعليم بجدة حوالي عشرين سنة 1497-1316ه. حينها كنت للتو متخرجاً من الجامعة ومعيناً للعمل التدريسي في تعليم جدة. لقد خبرت (الزيد) منذ أن كنت طالباً في جامعة الملك عبدالعزيز فرع مكة – كلية الشريعة – فقد كان لزاماً علينا دراسة بعض المقررات التربوية فالتقينا بأستاذنا الدكتور الزيد في مادة التعليم في المملكة العربية السعودية، وكان خريجاً جديداً يحمل درجة الدكتوراه وأحد أعضاء هيئة التدريس بكلية التربية. كان معلماً ملهماً، وأستاذاً ديناميكياً، وأكاديمياً فعالاً وذا علاقات أخوية وإنسانية بطلابه وزملائه. ترقى في العمل الأكاديمي بالكلية من أستاذ مساعد حتى أصبح عميداً للقبول والتسجيل بالجامعة.
وتشاء الأقدار أن ألتقيه في تعليم جدة هو مدير عام التعليم بالمنطقة الغربية وأنا معلم حديث التخرج موجَّهٌ للعمل في تعليم جدة. ومن هنا بدأت اللقاءات البينية، والتجاذبات المعرفية والتعالقات الثقافية.
أذكر أنني وجهت للعمل في إحدى مدارس الكامل – إحدى المحافظات التابعة للتعليم بجدة – وهي بعيدة والطريق غير مزفت، فصعب عليَّ الأمر وكان طموحي أن أتعين في جدة لمواصلة دراساتي العليا في جامعة الملك عبدالعزيز فلم أجد بداً من الشفاعات لدى هذا المدير/ القائد/ الحازم الذي لا يتغير له قرار!!
وتمت الشفاعة مستخدماً فيها الحيل المقبولة التي أثمرت فتغير موقع عملي إلى مدرسة الحديبية المتوسطة المحدثة آنذاك وطوال الاثنتا عشر سنة التالية تقلبت فيها وكيلاً ومديراً للمراحل المتوسطة وكانت لقاءاتنا ب (الزيد) رسمية وإدارية وليس فيها أي تقارب أخوي!!
ولما انتقلت مديراً للمرحلة الثانوية في ثانوية جرير المطورة عام 1409ه بدأت التعالقات العملية والتربوية تترسخ ما بيني وبين الدكتور الزيد. فقد كنا – مديري الثانويات – صفوة الصفوة – كما يقول – وإلينا تحال كثيراً من القضايا التربوية لدراستها، وكثيراً من اللجان لنعمل فيها، وكثيراً من الفعاليات لنشارك فيها ومع هذه المشاغل الجديدة والإضافية كان يلتقي بنا ويناقشنا فنشعر معه بمزيد من الأخوية والحميمية ونكتشف فيه الكاريزما القيادية!!
التقيته أولاً عندما رشحت للعمل مديراً للثانوية، قال لي: أريد مدرسة مثل مدرسة عبدالله هلال/ مدرسة ثانوية ابن خلدون المطورة!! فقلت له: أعطني امتيازات عبدالله هلال أعطيك مدرسة أحسن منها فضحك – حفظه الله – وشجعني وحفزني.. فهمت – فيما بعد – أنه يريد مني – كمدير مدرسة – جودة الأداء وتجويد العمل قدر المستطاع وهذا ما كان والحمد لله. زارني في المدرسة ذات المبنى المستأجر بعد تجهيزها، وكنت قد كتبت في مدخلها أبياتاً شعرية تعرف بها قلت فيها:
«جرير من للقوافي حين تنظمها إلا لمثلك ترنو العين والحدق»
ولأن الدكتور الزيد شاعر ومتذوق وأديب فقد أعجبته هذه القصيدة وقال لرفاقه: «الرجل المناسب في المكان المناسب» وكان هذا تحفيز وتشجيع وبداية تعارف شعري/ ثقافي امتد حتى هذه الأيام من علاقاتنا الثقافية!! الدكتور الزيد تربوي من الطراز الأول، وقيادي من النوع الفاعل/ المنتج، له بصماته التربوية في تعليم جدة التي أصبحت كيانات وبرامج عملية تصدرها وزارة المعارف إلى باقي المناطق التعليمية.
الدكتور الزيد هو أول من أنجز المدارس النموذجية في المرحلة الابتدائية التي كانت مدارس جاذبة ومحفزة على التعليم. والدكتور الزيد هو عراب التعليم الثانوي المطور الذي انتشر في مدن المنطقة الغربية ثم في باقي مناطق المملكة التعليمية وكان تعليماً يعتمد على نظام الساعات والطالب يملك حرية الاختيار لمواده الدراسية والمعلمين الذين يرغبهم وكان تعليماً حراً ومنافساً ويخلق الشخصية الطلابية المعتمد عليها.
والدكتور الزيد هو أول مدير تعليم يشرك المجتمع في برامجه ويخرج بأنشطته وفعالياته إلى المجتمع لتصبح المدرسة والإدارة التعليمية في قلب الحراك الاجتماعي.
ولما عدت من رحلة الإيفاد التعليمية إلى باكستان، كان الدكتور الزيد قد غادر الكرسي الإداري وتقاعد عن العمل الوظيفي فبدأت العلاقة الثقافية والتربوية تنمو من جديد بعد انقطاع أربع سنوات (الإيفاد) إلا من التواصل القرائي والثقافي فيما أكتبه أو يكتبه – حفظه الله – في الصحف والدوريات السعودية.
أهديته كتبي التربوية والتاريخية والنقدية ودواويني الشعرية فكان يتحفني بملاحظاته ونقداته وتوجيهاته.
وتوطدت العلاقة أكثر بعد إنجازي كتابي عنه وهو الموسوم ب «عبدالله الزيد: أنموذج مختلف» عام 1430ه. وفيه جمعت أكثر من (خمسة عشر) قائداً تربوياً من تعليم جدة تحدثوا عن الزيد شهادة وذكريات ممن عاصره وتعامل معه تربوياً وتعليمياً. كما قدمت فيه (خمس دراسات نقدية) تأملات ودراسات في فكره التربوي من خلال كتبه ومؤلفاته.
كما توجته بملامح من شعره وشاعريته والقصائد التي أهديت إليه بمناسبة هذا الكتاب. وختمت الكتاب بمقولات عنه من أبنائه وأسرته وبعض الصور الأرشيفية التي تبين مراحل من إنجازاته وفعالياته تربوياً وإدارياً وتعليمياً.
لقد كان هذا الكتاب رحلة وفاء لرجل الوفاء سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله الزيد تلقاه بمزيد من الفرح والبهجة والاحتفاء وتنامت العلاقات بيننا أكثر وأكثر لدرجة أنه طلب مني تقويم إنجازه الشعري ومراجعته وتقديمه للقراء في ديوان ننتظر صدوره قريباً إن شاء الله.
عبدالله الزيد.. قامة ثقافية وقيمة تربوية. جمعتني به لقاءات وزيارات واجتماعات أخوية كان آخرها تلك الزيارة الميمونة بصحبته وثلة من القياديين السابقين في تعليم جدة للاطمئنان على صحة الأستاذ راضي الجهني (شيخ الإشراف التربوي) وقائد المشرفين حفظه الله مساء يوم الأحد 3 رجب 1437ه.
حفظ الله أستاذنا وقائدنا رابع (العبادلة) وأطال في عمره على صحة وعافية.
* * * * * * *
ثالثاً: وخامس (العبادلة) هو الصديق العزيز الأستاذ عبدالله بن محمد الهويمل أحد قادة التعليم في جدة في الفترة ما بين 1422-1427ه، الذي عرفته مبكراً منذ عام 1405ه عندما حل بيننا في تعليم جدة مشرفاً تربوياً، وكنت حينها وكيلاً بمدرسة الحديبيةالمتوسطة.
كانت أفكاره الإشرافية المستنيرة هي فواتح التعارف بيننا عندما كان يزورنا في المدارس ويلتقي بنا كمديرين ومعلمين مختصين في اللغة العربية. وكانت لمساته التربوية وتوجيهاته الإشرافية التي يسجلها في سجل الزيارات زاداً معرفياً لي، وكنت أحولها إلى برامج عمل مع إخواني وزملائي معلمي اللغة العربية الذين يزورهم ويلتقي بهم، ويقوِّم أعمالهم.
غادرت تعليم جدة في رحلة إيفادية إلى إسلام أباد/ باكستان لمدة أربع سنوات وعدت بعدها مشرفاً للإدارة المدرسية في تعليم جدة لأجد أخي عبدالله الهويمل مديراً لشؤون المعلمين في عهد الدكتور خضر القرشي الذي اختارني بعد سنتين فقط مديراً للثقافة والمكتبات وقد علمت أخيراً أن عبدالله الهويمل أحد الذين أشاروا على الدكتور خضر بتعييني في هذه الإدارة مسؤولاً عن الثقافة والمكتبات.
ومن هنا بدأت لقاءاتي واجتماعاتي بهذه الشخصية القيادية تزداد ومعرفتي به تتوثق من خلال اجتماعاتنا الدورية في المجلس التعليمي، أو من خلال ورش العمل واللجان الموحدة التي يشترك فيها الاثنان. لقد لمست فيه القيادة الواعية، والأخلاقيات العالية والروح الإنسانية فكلما تشفعت عنده في مسألة معلم حتى يبادر لقبول الشفاعة ليس من أجلي كشفيع فقط، ولكن لأن الحالة ملحة والاستجابة واجبة والنظام يسمح بمثل ذلك القبول.
وتنامى هذا الزميل سريعاً في سلك المسؤوليات والواجبات فأصبح مساعداً للمدير العام الأستاذ سليمان الزايدي ثم مديراً للتعليم في العاصمة المقدسة. ثم يعود أخيراً مديراً للتعليم بجدة في الفترة 1422ه إلى 1427ه. وهنا كانت التعالقات العملية والإدارية والثقافية على أشدها ففي عهده رشحت لإدارة التخطيط والتطوير التربوي، كما كلفت بإدارة مشروع تأليف اللغة العربية، وتقاسمت وإياه النجاحات في كل هذه الإدارات.
وإن أنس فلا أنسى كلمته التحفيزية والتقديرية لدوري المتميز في المكتبة العامة بجدة – أثناء إدارتي للثقافة والمكتبات – وكذلك كلمته الأخوية في حفل تقاعدي فكلها تدل على ما يتمتع به من خلق سامٍ، وأخوة فاضلة، وزمالة تؤتي أكلها بكل خير وتلقائية.
ولعلَّ أجمل ما يعلق بالذاكرة من مواقفه الأخوية والإيجابية ذلك الموقف النبيل في أيام العزاء لزميلنا – المرحوم إن شاء الله – علي فلاتة، فقد اعتبر نفسه أحد أقارب الفقيد، ووقف في صف العزاء يتقبل المعزين ويواسي أهل الفقيد، ويتابع شؤونهم بكل أسرية وأخوية وحميمية. وقد فاجأني ذات مرة – بعد مرور سنوات على وفاة الزميل علي فلاتة – بأن طلب مني السعي في البحث عمن يشتري المكتبة المنزلية لعلي فلاتة والتي تحتوي على الأمهات من المصادر في اللغة العربية وآدابها وفي مجالات متعددة من الفكر الإنساني والفكر التربوي بما لا يوجد لها مثيل في جدّه. فقد كان علي فلاتة (رحمه الله) (دودة كتب)!! واحترت كيف أستطيع خدمة هذا الموضوع لكني عرضت الأمر على صاحب الاثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة (شافاه الله وأعاده لاثنينيته التي احتجبت طوال هذا الموسم 1437ه) ولم ألق منه الجواب.. ولعلَّ الأستاذ الزميل عبدالله الهويمل قد وجد حلاً مناسباً لإبقاء المكتبة في مكانها فهي ميراث لايمكن التفريط فيه!!
ولا شك أن من أجمل ما يعلق بالذاكرة هو الإنجازات التربوية والتعليمية لتعليم جدة في فترته الزاهية التي تزامنت مع إدارة الوعي والقيادة والإبداع للوزير الدكتور محمد أحمد الرشيد وإدارة العواصف والتجديد لنائب الوزير الدكتور خضر القرشي.. فقد كان التعليم في جدة مزاراً وخلية نحل يستقبل الزوار والمستفيدين من الفضاءات التربوية الإبداعية في مجالات الإشراف التربوي، ومجالات شؤون المعلمين، ومجالات الموهوبين، والنادي العلمي، والمناشط الطلابية الإبداعية والمتجددة، واللقاءات التربوية المتميزة، ولقاءات قادة العمل التربوي. وغيرها من الإنجازات التي لا يمكن حصرها في هذا الحيز المحدود. حفظ الله أخانا وزميلنا ورفيق دربنا خامس (العبادلة) وأطال في عمره على عبادة وطاعة وصحة وعافية.
* * * * * * *
رابعاً: وأما آخر (العبادلة) حتى عصري الذي أكتب فيه فهو الإداري القدير والمربي الخبير والقائد المسدد الأستاذ عبدالله بن أحمد الثقفي الذي يقود مسيرة التربية والتعليم في جدة منذ العام 1427ه وحتى الآن!!
عرفته منذ عودتي من رحلة الإيفاد التعليمية إلى دولة باكستان الشقيقة التي قضيت فيها أربع سنوات 1412-1416ه. عرفته وهومدير لمركز الإشراف التربوي بشمال جدة قبل أن تتحول المراكز إلى مكاتب فوجدت فيه القيادي البارز والمخطط الرائع والإداري المحبوب.
كنت أزور النموذجية الابتدائية الأولى ومديرها العملاق التربوي محمد الخلاف رحمه الله فوجدت فيها فصلاً لتعليم الموسيقى يقوده الفنان/ المعلم نجيب السراج وكانت هذه فكرة وحيدة وجريئة في مدارسنا، فكيف يسمح بتعليم الموسيقى وتعليمها في مدرسة ابتدائية حكومية لكنها حصلت وتحت مرأى ومسمع من إدارة التعليم في فترة الدكتور عبدالله الزيد.
كتبت عن هذه الظاهرة الجديدة في تقريري المرفوع لإدارة الإشراف – وكنت حينها مشرفاً للإدارة المدرسية – فقيل لي لقد سبقك إلى هذا المشرف التربوي عبدالله الثقفي – وهو يومذاك مشرفاً للتربية الإسلامية ولم يتغير في المدرسة شيء!!
عايشت هذا القائد التربوي في كل تمرحلاته الإدارية في تعليم جدة مشرفاً تربوياً، مديراً لمركز إشراف، ومديراً لمكتب الإشراف التربوي، ومساعداً للمدير العام للشؤون التعليمية ومديراً لإدارة التعليم منذ 1427ه وحتى 1435ه. سنة تقاعدي ولازال حتى هذا التاريخ!!
عايشته وتعلمت منه الحزم والجدية والتفاعل الإيجابي والقيادة الواعية والتطلع لكل جديد فسعى للحصول على شهادة الماجستير ونالها، وجدت فيه الحرص على القراءات التربوية ومتابعة كل جديد، فكان شغوفاً بالثقافة متطلعاً للمشاركة فيها عبر المنابر الأدبية والثقافية والصالونات الفكرية.
ولقد سعدت بالنجاحات التي حققها تعليم جدة في عهد إدارته فهذه مدرسة الموهوبين التي لا مثيل لها والتي كانت باكورة البرامج الجديدة والإبداعية في تعليم جدة وهذه المدارس المستقلة، ومدارس المستقبل، والمدارس الذكية وجائزة أهالي جدة للمعلم المتميز، وهذا منتدى التعليم الثقافي والتربوي.. وغير ذلك من المنجزات التي يفخر بها منسوبي التعليم بجدة في فترة إدارة عبدالله الثقفي.
وأعتقد أن مرد هذه النجاحات الإدارية والتربوية والتعليمية إلى شخصية الأستاذ عبدالله الثقفي. فهو خلاصة الإدارات التعليمية والقيادية السابقة في تعليم جدة فقد استفاد من مدرسة عبدالله الزيد القيادية وراضي الجهني الإشرافية وخضر القرشي التقنية وسليمان الزايدي المتأنية وعبدالله الهويمل الإيجابية. ومن رفاق دربه ومجايليه الذين يكن لهم كل تقدير ويعترف لهم بكل فضل.
بارك الله في جهود أخينا عبدالله الثقفي، سادس (العبادلة) ووفقه وسدد خطاه لإكمال مسيرته القيادية والتربوية التي لم يبق فيها إلا القليل فأعتقد أن عمره قارب مرحلة التقاعد النظامي، داعياً له بمزيد من التقدم والنجاح.
* * * * * * *
ولعل آخر ما أختم به هذه الوقفات التذكارية مع (عبادلة) التعليم في جدة، هو التأكيد على أمر أعتقد أنه يجمع بينهم جميعاً ولاسيما العبادلة الأربعة الأخيرين (الحصين والزيد والهويمل والثقفي).
فكلهم مروا على الطائف عملاً وتمدرساً، والأخيرين منهم من أبناء القرى المجاورة والتابعة لمحافظة الطائف (الهويمل والثقفي) وجميعهم درس في دار التوحيد، ذلك الصرح التربوي المعروف بتخريج أكثر القادة والأدباء والشعراء في بلادنا العزيزة.
وعبدالله الحصين – أيضاً – أدار التعليم في الطائف حوالي (12 سنة) 1382 – 1394ه وهو ممن درس وتعلم في دار التوحيد ونال منها الشهادة الثانوية.
وكذلك عبدالله الزيد تشرف بالدراسة في دار التوحيد ونال منها الشهادة الثانوية. وأيضاً كل من عبدالله الهويمل وعبدالله الثقفي درسا وتخرجا من دار التوحيد وعملا في مدارس الطائف قبل انتقالهما إلى تعليم جدة.
وهذا يعني أن «للطائف» وأبناء الطائف وخريجي مدارس الطائف دور كبير في العمل القيادي والإداري في تعليم جدة وما هؤلاء إلا صفوة الصفوة وإلا فهناك معلمين ومشرفين وإداريين من أبناء الطائف يبثون الفكر التربوي والقيادي في تعليم جدة وعلى كل المستويات.
وأخيراً: فإني أحمد الله أن جايلت وعاصرت هؤلاء (العبادلة) فمن مات منهم عليه رحمة الله ومن لايزال يعيش بيننا فمتعه الله بالصحة والعافية. وإليهم جميعاً أوجه تحياتي وأشواقي واعتزازي بهم قادة ورواداً للتعليم في بلادنا وقدوة وأسوة لمثلي.
والحمد لله رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.