الرياض – واس أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – أعطى جلّ اهتمامه بالمساجد والمواقع التاريخية, مشيرًا إلى أن المملكة منذ إنشائها تنظر إلى المسجد بوصفه المحور الأساس للدولة واجتماع الشمل . وأكد سموّه أن الهدف من ترميم المساجد التاريخية ليس معماريًا تصميميًا فحسب, وإنما إعادة الحياة للمساجد وتهيئتها للعبادة التي هي أهم وظائفها . وقال سموّه في كلمته الافتتاحية لورشة عمل العناية بالمساجد التاريخية بالمملكة التي عقدت في الرياض اليوم, بحضور معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور الشيخ صالح آل الشيخ، ومعالي عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء الشيخ عبد الله المطلق : " أعطى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – جلّ اهتمامه للعناية بالمساجد وبشكل أوسع بالتراث الحضاري الوطني، وبدأ ذلك من خلال عددٍ من المشروعات ومنها جامع الامام تركي بن عبدالله, مما يؤكد إيمانه بأن المساجد هي محور للتاريخ والتقاء الناس، كما أعاد – حفظه الله – قبل شهرين وبأمر سامٍ كريم لتأكيد تبنّي الدولة لمشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الوطني، ولذلك ننطلق بأسس على رأسها العناية بالمساجد التاريخية والمحافظة عليها، وقد بدأت مؤسسة التراث الخيرية التي تشرفت بتأسيسها منذ 25 عام بمشروع للعناية بالمساجد التاريخية بإمكانياتها المحدودة آنذاك بشراكة وتفاعل مع وزارة الشؤون الإسلامية والشيخ صالح آل الشيخ بالتحديد، و حين انطلق البرنامج في ذلك الوقت احتضنه الأمير سلطان بن عبدالعزيز – رحمه الله – وقدم أول دفعة للبرنامج بمليوني ريال لترميم المجموعة الأولى من المساجد، كما أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – قدّم منحة لترميم أول مسجد في عهد الدولة السعودية في منطقة عسير, وهو مسجد طبب, الذي تم ترميمه وافتتاحه آنذاك " . وأضاف سموّه : " وتوالت هذه العناية المباركة بالمساجد التاريخية من قادة الدولة ومن المواطنين وهم كثر، إلى أن تأسست الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني التي بلورت حرصها على العناية بالمساجد التاريخية من خلال تأسيس مسار رئيس لمواقع التاريخ الإسلامي ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، وأسست برنامجًا للعناية بالمساجد التاريخية ضمن مركز التراث العمراني، وعملت مع وزارة الشؤون الإسلامية من خلال اتفاقية تعاون تعد الأولى التي وقعتها الوزارة للعناية بالمساجد التاريخية، وتطورت هذه الاتفاقية لتشمل تأسيس وحدة إدارية في الوزارة للعناية بالمساجد التاريخية، والتوسع في العمل على مستوى المناطق لتعمل فروع الهيئة والوزارة تحت رعاية أمراء المناطق للتجاوب مع الطلب الكبير الذي يلقاه البرنامج من المواطنين المحبين بالفطرة للخير والعناية بأعمال البر كما يعرفون بحبهم لتراثهم " . واستعرض سموه أمثلة مهمة في مسيرة البرنامج, من أبرزها أن البرنامج يحظى بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -، حيث تبرّع – أيده الله- بنفقات ترميم مسجد الحنفي التاريخي في جدة التاريخية، إضافة إلى رعايته – حفظه الله – لبرنامج خاص للعناية بالمساجد التاريخية في محيط مشروع الدرعية التاريخية، يشمل ترميم (34) مسجداً تاريخياً تعمل على إنجازه كل من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني, ووزارة الشؤون الإسلامية والهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض، مشيرًا إلى أن إطار هذا البرنامج افتتح العام الماضي الجامع العتيق "مسجد الشافعي" بجدة التاريخية بعد الانتهاء من مشروع ترميمه الذي تكفل بنفقاته الملك عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله -، وتم الإعلان حينه عن إنشاء صندوق لترميم المساجد التاريخية في مدينة جدة، كما تجري حاليا أعمال الترميم لمسجد المعمار في جدة التاريخية، على نفقة وقف الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه، والإعلان عن تكفل الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – بترميم مسجد الحنفي بجدة، إضافةً إلى افتتاحه – أيده الله – مسجد الظويهرة بحي البجيري، وما أعلن عن التبرع بترميم مسجد عثمان بن عفان في جدة التاريخية وغيرها من المساجد التاريخية التي جرى ويجري العمل على ترميمها . وأضاف سموّه : " ولا بد أن نذكر وقوف سماحة المفتي في تأصيل موضوع العناية بالمساجد التاريخية وآراءه الرصينة ذات التأصيل الشرعي, التي نلتزم في الهيئة بالاستنارة بها وبآراء المشايخ في كل أمر نعمل عليه", مشيرًا إلى أن المساجد عبر التاريخ الإسلامي تعدّ المحور الأساس الذي تقوم عليه المدينة ويشكّل نقطة التقاء ومحور حياة منذ فجر الإسلام في المدينةالمنورة وحتى تاريخنا الحديث الذي تشهد قصص الأماكن والمدن أن المساجد كانت جزءًا أصيلًا ولا ينفصل عن حياتنا وتاريخنا، مع انشغال الناس اليوم بمسائل التطوير والمستقبل والتحديث، والدولة منذ تأسيسها قامت على جمع شمل الناس وعلى توحيد القلوب واقامة الشعائر وتصحيح المفاهيم الدينية والتأكيد على دور الاسلام كدور أساسي أصيل في هذه البلاد وهذا ما جمع شملنا اليوم . وأكد على أن الهيئة عملت منذ أكثر من خمس سنوات على عددٍ من المسارات التي تعنى بالمتاحف الإسلامية, كما أن المملكة تعدّ متحفًا إسلاميًا مفتوحًا ولا يستطيع أحد أن ينافس هذه البلاد في قصص نشوء الإسلام وقصص المواقع التاريخية التي ستعاد لها الحياة ليعرف المسلم قصة هذا المكان الذي عجّ بالحضارة، ولذلك المساجد التاريخية كانت وما زالت هي المحتوى الذي يجتمع عليه الناس في مغازيهم واجتماعاتهم وأفراحهم، وخاصة أن المساجد التاريخية هي أساس الحياة في القرى والمواقع, ونحن اليوم نستهدف إعادة التاريخ المجيد لبلاد الإسلام وتاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام حتى تطورت وهيأها الله قبل ملايين السنين ليخرج هذا الدين العظيم إلى البشرية جمعاء من خلال هذه الأرض التي كانت تعج بالتقاطعات التجارية والحضارية على مستوى العالم، وعندما نعتني بالتراث الحضاري في أرض الحرمين الشريفين, فإننا نعتني بهذه القصة والملحمة التاريخية لتوحيد الجزيرة العربية . وأكد سمو الأمير سلطان بن سلمان في تصريح صحفي بعد افتتاح الورشة على أهمية "برنامج العناية بالمساجد التاريخية" الذي تتعاون فيه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ومؤسسة التراث الخيرية بهدف المحافظة على المساجد التاريخية في المملكة والعناية بها، وإعادة تأهيلها، وإظهار قيمتها الدينية والحضارية والعمرانية, مشيرًا إلى أنه قد تم حصر أكثر من (800) مسجد على مستوى مناطق المملكة، والعمل مستمر لاستكمال الحصر والتوثيق، في المرحلة الثانية, التي ستكون أعمق وأكثر من حيث التفاصيل، كما أعد برنامج العناية بالمساجد التاريخية في الهيئة خطة للعناية بالمساجد التاريخية على مستوى مناطق المملكة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاسلامية, تنفذ بالشراكة مع أمارات المناطق، والأمانات، والبلديات، والمؤسسات المهنية والخيرية، والمتبرعين من المجتمع المحلي . وقال سموّه : " نحن ننظر من ضمن برنامج المسارات السياحية الذي تقوم به الهيئة أن يكون هناك مسار لزيارة القرى التراثية، وأن يكون المسجد التاريخي هو المحطة الأولى لزيارة القرية، وكما قلت سابقا فإن قصة هذا الوطن الذي قام بحمد الله على الإسلام تبدأ من المساجد " . وأضاف : "بدأنا مع المواطن في القرى والمواقع التراثية، ونعلن أننا مستعدون مع وزارة الشؤون الإسلامية بدعم من يريد إحياء مسجد تاريخي في بلدته التراثية ونتبنى مشروعه " . ولفت سموّه الانتباه إلى أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الوطني يمثل برنامجًا شاملاً يحتوي على الطموحات والتطلعات المتعلقة بالتراث الوطني ، لأنه برنامج درس بعناية وتبنّته الدولة ودرس من جميع الوزرات وعرض على جميع المواطنين وعلى هيئة كبار العلماء، ولم يبق أحد لم يسهم في هذا البرنامج الذي كما أعلنا سابقًا يشمل منظومة من المتاحف الكبيرة الرائدة حيث نطمح أن تكون المملكة متحفًا إسلاميًا مفتوحًا . وأضاف : " نحن لا نركز فقط على المتاحف الإسلامية التي تحوي قطع الفن الإسلامي مثلما هو موجود في متاحف أخرى تقتني هذه الفنون من مناطق العالم ، ولكن نحن في المملكة لدينا أكثر بكثير من الفنون الإسلامية فلدينا مخزون كبير من مواقع وشواهد الحضارات الإسلامية، ونحن نملك هذه الثروة الكبيرة جداً وهي تاريخ الإسلام وبداية نشوئه وانطلاقه وهو ما ستعكسه بإذن الله سلسلة متاحف التاريخ الإسلامي التي استكملت الهيئة جميع دراساتها ورفعتها الى الدولة منذ أكثر من خمس سنوات " . من جانبه ثمّن معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور الشيخ صالح آل الشيخ, اهتمام سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالمساجد التاريخية والعناية بها . وقال معاليه : " في البداية أسجل إعجابي وتقديري الكبير لهذه الكلمات المهمة المركزة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان في افتتاحه لهذه الورشة, لأنها اشتملت على فكر وليس على إدارة اشتملت على التنظير الذي يجمع ما بين العمق الإسلامي والشرعي والاعتزاز بالعقيدة والقيمة والتاريخ، وأيضاً تشتمل على العمق الحضاري وفهم الرسالة التي تقوم بها المملكة اليوم في عالم قد يراد له أن تضيع هويته " . وأوضح آل الشيخ، أنه عندما بدأ الإسلام كان المسجد هو المرتكز والهوية، والاهتمام بالمساجد من الناحية الحضارية والفكرية هو اهتمام بالهوية من منطلق أن هذه المساجد القديمة هي كانت في المرتكز التي بنيت عليه المملكة, والتعليم بدأ في المملكة بالمسجد، واجتماع الناس في أعيادهم في المسجد، لذلك نسجل بالتقدير والشكر والعرفان الهمة العظيمة لسمو الأمير سلطان بن سلمان منذ 25 سنة في العناية بهذه المساجد التاريخية . وأضاف : " نص الفقهاء رحمهم الله تعالى في كتبهم أن الصلاة في المسجد الأقدم الأكثر جماعة، أفضل من الصلاة في المسجد الحديث، وهذا يعطينا العمق الذي يحس به من أتى للمسجد القديم، إذا أتيت المسجد التاريخي له 1000 سنة مثل المسجد الشافعي في جدة ومساجد أخرى في أبهاوعسير وجازان والباحة في الشرقية في الإحساء والرياض وفي مناطق كثيرة تعطيك شعور كم عمرت هذه المساجد ومن غشاها من الناس والملوك والأمراء والعلماء والتجار والصانعين والصالحين وأين ذهبوا، لذلك المسجد رسالة, وهنا أسجل الشكر والتقدير للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بجميع منسوبيها ولزملائي في وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد ممثلين في وكالة الوزارة للمساجد والدعوة وفروع الوزارة, وهي مرتبطة ارتباطاً كبيراً بمعالي أخي الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري الذين أولو العناية الكبيرة بمشروع المساجد التاريخية، إيماناً منّا بالرسالة الكبيرة من وراء ذلك. وليست ترميماً لجدران ولا إعادة لمباني بل صلة الناس بالهوية وبالتاريخ حتى لا نضيع في العولمة " . وبدوره أكد معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد المطلق، في كلمته في افتتاح الورشة أن المساجد التاريخية تحكي تاريخنا في فترة من الفترات، وأن العناية بها عناية للتاريخ، وليس عناية فقط بالمباني والجدران، لأن عمارة المسجد تنقسم إلى قسمين عمارة حسية بالبناء وعمارة معنوية حكاها الله في قوله تعالى: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر، في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع " . وأضاف: " المساجد التاريخية ثروة لكن نؤكد على ما هو موجود عند الإخوة من التوثيق، التاريخ سيظل شاهداً لكن إذا وثّقت المعلومات وأصّلت ودونت سينقلها الآباء للأبناء وتبقى مفخرة تفتخر بها هذه الأمة، وتقديم المعلومات الموثقة للأجيال القادمة عن تراث الآباء والأجداد في أجمل حقبة من العمر وهي العبادة، لأن الإنسان يبذل يومياً للمسجد من عمره قرابة ساعتين، يخرج من بيته ومن مزرعته ليلقى همومه عند باب المسجد, ورواد المسجد هم أهل الله والعناية بهذه السويعات والبناء المعد له من الأجيال القادمة كالأجيال الماضية هي عناية بما يعظمه الإسلام وبما يلقي عظمة الإسلام في قلوب أبناءنا وبنات في الأجيال القدمة " .