تصوير -محمد قاسم اختتمت في المدينةالمنورة أعمال الندوة العلمية البحثية التي أقامتها الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة ممثلة في كرسي سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم للفتوى وضوابطها تحت عنوان " الفتوى بين التأثير والتأثر بالمتغيرات " . وسعت الندوة التي حظيت باهتمام كبير من العلماء وأساتذة الجامعات والباحثين وطلاب العلم والمهتمين في أرجاء العالم الإسلامي، إلى تحقيق عدد من الأهداف منها دراسة علاقة الفتوى بحياة المسلمين المعاصرة وإيضاح مَعلم من معالم صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان وإبراز ما يقبل التغير وما لا يقبله من الفتاوى وضوابط ذلك واستشراف مستقبل الفتوى والتأصيل العلمي لها . وخلص المشاركون في الندوةَ إلى عدد من التوصيات من أهمها عناية علماء الأمة بفقه الفتوى لأهميتها وتأثيرها الكبير في المجتمع المسلم لتتحقق الاستقامة وتُضبط العلاقة بين العبد وربه وأسرته ومجتمعه ودعم أمن المجتمع المسلم وتحقيق استقراره وتأكيد ثوابته والمحافظة على مصالحه وضبط الفتوى وتحريرها إذ أن الفتوى إذا ضبطت كانت من أعظم مفاتيح الخير والإصلاح والاستقرار والأمن للأمة والزلل فيها تترتب عليه مفاسد عظيمة وكذلك الاهتمام ببيان أن الفتوى الصحيحة مراعية لجلب المصالح ودرء المفاسد ومراعية لتغير حال المستفتي من الضيق والعسر والسعة واليسر والضعف والقوة ونحوها فهي متأثرة بالمتغيرات ومحققة لصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان وعدم بتر الفتوى عن السؤال عند كتابتها أو نشرها أو تدريسها فإن السؤال بقيوده وأحواله معاد في الجواب . كما أوصى المشاركون بأهمية التفريق بين الأحكام الثابتة والأحكام المتغيرة التي أناطها الشارع بمتغير لاختلاف الزمان أو المكان أو الحال أو المآل أو غير ذلك وإدراك أنه لا يجوز تغير الفتوى في الأحكام الثابتة وأن تغير الفتوى في الأحكام المنوطة بمتغير أمر متفق عليه بين العلماء وليس فيه تغيير لحكم الله بل فيه السداد والصلاح بتطبيق حكم الله تطبيقا صحيحاً في العبادات والمعاملات والسياسة الشرعية وبيان أن الأحكام الدائمة ذات مصالح وغايات ثابتة والعمل بها دليل حسن الطاعة وكمال الإتباع وأن الفتاوى المتغيرة لتغير الزمان والمكان والحال والعرف والمصلحة وتغير اجتهاد المجتهد ووجود الضرورة تحقق المصلحة وتدرأ المفسدة وفيها بيان مظهر من مظاهر المرونة والتيسير في الشريعة الإسلامية ، بالإضافة إلى إدراك أن الفتوى قد تتأثر بالمتغيرات والمراد بذلك : انتقال المفتي في فتواه من حكم إلى آخر في المسألة الاجتهادية تبعا لمناط الحكم فيها وجودا أو عدما أو تغيرا أو مخالفة فتوى مفت لفتوى مفت آخر لوجود ما يقتضي ذلك وإدراك أن تغير الفتوى ليس نابعا من هوى أو إرادات لأشخاص مهما كانت مكانتهم وإنما هو نابع من مسوغ مشروع اعتبره الشرع يستدعي التغيير لأصول شرعية في المسائل التي تقبل التغيير ولا مجال له في المسائل القطعية والاجتماعية في العقائد والعبادات والحدود والكفارات والمقدرات وما ضبطه الشارع في المعاملات ونحو ذلك . كما تضمنت التوصيات تشجيع الفتاوى الجماعية من أهلها لاسيما في المصالح العامة والنوازل والحرص على حصولها في الوقت الملائم مما يدفع الحيرة والزلل عن أفراد الأمة ويسد الباب على أهل الضلال والتأكيد على ربط الفتاوى الثابتة أو المتغيرة بالنصوص وفتاوى النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم وفتاوى المجامع الفقهية المعتبرة خاصة والعلماء الموثوقين لما لذلك من أهمية بالغة في الثقة بالفتوى وضبطها وتقليل أسباب الاختلاف وكذلك العناية بالتطورات المعاصرة والتقنيات الحديثة المتميزة بالتغير السريع والتقدم الكبير في مختلف المجالات لما لها من أثر كبير في إعطاء الحكم الشرعي والفتوى الصحيحة . ودعا المشاركين في الندوة من خلال التوصيات الحكومات وأهل العلم والإعلاميين إلى منع الشذوذ في الفتوى ومعالجة فوضى الفتاوى في العالم الإسلامي عبر القنوات الفضائية أو غيرها حتى يعترف لأهل الاختصاص في تولي الفتوى وتدبيرها وأن لا يأخذ المستفتي فتواه إلا عن طريق القنوات الموثوقة والسبل المأمونة للمفتين ، مثمنين جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين بضبط الفتوى ورعاية مؤسساتها . وفي ختام التوصيات أعرب المشاركون في الندوة عن شكرهم وامتنانهم لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – على جهوده الكبيرة لخدمة الإسلام والمسلمين وجمع كلمتهم وعلى تشجيعه لكل ما ينفع الأمة الإسلامية وعلى عقد المؤتمرات والندوات العلمية المباركة ورفع برقيات شكر وتقدير إلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد وزير الدفاع – حفظهما الله – ، وكذلك الشكر لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة ، ولمعالي وزير التعليم الدكتور عزام بن محمد الدخيل . كما تقدم المشاركون في الندوة إلى المسؤولين في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة في مقدمتهم معالي مديرها المكلف الدكتور إبراهيم بن علي العبيد وإلى القائمين على كرسي سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم للفتوى وضوابطها وإلى اللجان العاملة في المتابعة والترتيب بوافر الشكر والتقدير على الجهود الكبيرة المقدمة لخدمة الندوة وحسن الإعداد وجودة التنظيم وجميل العناية بالمشاركين والحضور .