مرت كسوة الكعبة منذ بناها سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بأطوار مختلفة ارتبطت بعوامل اجتماعية واقتصادية مختلفة , غير أن الوازع المشترك في نية الكسوة هو التقديس لهذا البيت الحرام والتقرب من الله سبحانه وتعالى. وقد اختلفت الروايات في أول من كسا الكعبة , فبعض العلماء يقولون : إن إسماعيل عليه السلام هو أول من كساها , ومنهم من قال : إنه عدنان بن أد الجد الأعلى للرسول عليه الصلاة والسلام , ولكن الثابت أن تبع الحميري ملك اليمن , هو أول من كساها بالخصف , وبعد تبع كساها الكثيرون في الجاهلية , وكان ذلك واجبا من الواجبات الدينية , ومن هؤلاء أبو ربيعة بن عبد الله المخزومي الذي كان يكسوها سنة , وجميع قريش تكسوها السنة التالية. ثم كساها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثياب اليمانية عندما احترقت على يد امرأة أرادت تبخيرها , وبعد ذلك كساها الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بالقماش المسمى بالقباطي. وبعد الخلافة الراشدة كان الخلفاء الأمويون والعباسيون ثم المماليك والأتراك يتنافسون على كسوة الكعبة والتفنن فيها. وظل الأمر كذلك حتى جاء العهد السعودي على يد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه، والذي أمر في سنة 1346 ه بإنشاء دار خاصة لعمل كسوة الكعبة المشرفة في مكةالمكرمة , وتم توفير كل ما يحتاج إليه العمل , وافتتح مصنع كسوة الكعبة في منتصف العام نفسه , وفيه تم إنتاج كسوة للكعبة المشرفة ليصبح هذا الشرف العظيم منوطا بالمملكة العربية السعودية , واستمر المصنع ينتج ثوب الكعبة المشرفة , ومع التقدم الحضاري العالمي في فن النسيج وتقنيته أراد الملك فيصل – رحمه الله – أن يواكب هذا التطور التقني فيطور مصنع الكسوة بما يحقق أفضل وأمتن وأجمل إنتاج لثوب الكعبة فصدر أمره السامي في عام 1392 ه 1972 م بتجديد مصنع الكسوة بأم الجود بمكةالمكرمة , وتم افتتاحه تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله – عندما كان وليا للعهد وذلك في ربيع الآخر سنة 1397 ه – 26 مارس 1977 م. بدأ المصنع بأقسام ثلاثة : هي قسم الحزام , والنسيج اليدوي , والصباغة.ثم أضيفت إليه ثلاثة أقسام أخرى هي : النسيج الآلي , والطباعة والأعلام , والستارة الداخلية. مراحل صناعة الكسوة تمر صناعة الكسوة في عدة مراحل أهمها:- المرحلة الأولى: مرحلة الصباغة: حيث يستورد الحرير الخام على هيئة لفائف تصبغ إلى اللون المطلوب , وهو الأسود بالنسبة للكسوة الخارجية للكعبة المشرفة , والأخضر لكسوتها الداخلية وكسوة الحجرة النبوية الشريفة , والأحمر الداكن لحزام الحجرة النبوية الشريفة , وذلك على أرقى وأثبت أساليب الصباغة. المرحلة الثانية:مرحلة النسيج: حيث كان يعتمد في السابق على النسيج اليدوي في إنتاج جميع أنواع النسيج بالمصنع. وتمشيا مع سياسة التطور المستمر أصبح النسيج الآلي يشكل معظم الإنتاج مع الاحتفاظ بالنسيج اليدوي كقيمة فنية عريقة يجب الحفاظ عليها . والأسلوب والمادة النسيجية المستخدمة في صناعة الكسوة تنقسم إلى نوعين: الأول: وبالنسيج السادة , وهو المستخدم في الحزام والستارة التي تطرز بالأسلاك وفي قماش البطانة التي توضع تحت الثوب. -الثاني: وهو نوع يسمى (الجاكارد) وهو الذي تكتب به الآيات والعبارات , وهو عمل فني دقيق يحتاج إلى أيد ماهرة مدربة. المرحلة الثالثة: هي مرحلة الطباعة , وكانت التصميمات المنفذة بالتطريز تنقل إلى الأقمشة بطريقة (الترب) وهي طريقة بدائية كانت تستهلك الكثير من الوقت والجهد ولذلك استحدثت إدارة المصنع قسم الطباعة مما ساعد على سرعة الإنتاج وتنوعه ودقته , حيث أصبحت عملية الطباعة تتم بأحبار تعد بالقسم من خلال ما يسمى بالشبلونات , أو الشاشة الحريرية (السلك سكرين). المرحلة الرابعة: التطريز التي تمثل أهم ما يميز ثوب الكعبة المشرفة , تشمل تطريز الكلمات والزخارف الإسلامية بالأسلاك الفضية والذهبية , وتتم هذه العملية الفريدة يدويا حيث يستحيل تنفيذها آليا ليتكون في النهاية تطريز بارز مذهب يصل ارتفاعه فوق مستوى القماش إلى 2 سم أحيانا. المرحلة الخامسة والأخيرة :وهي مرحلة التجميع , وهي الخطوة الأخيرة , حيث يتم تجميع قماش (الجاكارد) ليشكل جوانب الكسوة الأربعة , ثم يثبت عليه قطع الحزام والستارة , تمهيدا لتركيبها فوق الكعبة المشرفة. وصف الكسوة تنسج الكسوة من الحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود وقد نقش عليه بطريقة (الجاكارد) عبارات لا إله إلا الله محمد رسول الله – الله جل جلاله – سبحان الله وبحمده – سبحان الله العظيم – يا حنان – يا منان – على شكل سبعة متكررة ومتصلة. ويبلغ ارتفاع الثوب 14.5 مترا , ويوجد في الثلث الأعلى منه حزام الكسوة بعرض 95 سم , كما يوجد تحت الحزام على الأركان سورة الإخلاص مكتوبة داخل دائرة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية , وعلى الارتفاع نفسه , وتحت الحزام أيضا توجد 6 آيات من القرآن مكتوبة كل منها داخل إطار منفصل , وفي الفواصل بينها يوجد شكل قنديل كتب عليه يا حي يا قيوم – يا رحمن يا رحيم – والحمد لله رب العالمين. وكل ما تحت الحزام مكتوب بالخط الثلث , ومطرز تطريزا بارزا , ومغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب , وقد أحدث وضع هذه القطع في العهد السعودي الزاهر . التكلفة والعمالة تبلغ تكلفة ثوب الكعبة المشرفة الواحدة ما يقرب من 17 مليون ريال سعودي شاملة تكلفة الخدمات وأجور العاملين والإداريين , ويستهلك الثوب الواحد 670 كيلو جراما من الحرير الخالص , وهي بعد النسيج تشكل مسطح كسوة الكعبة المشرفة , ويتكون من 47 طاقة قماش طول كل منها 14 مترا وعرضها 95 سم. وفيما يتعلق بعدد العاملين بالمصنع , فقد ارتفع عددهم من 16 عاملا في بداية تأسيس المصنع إلى أكثر من 240 عاملا. ومعلوم أن التكلفة غير ثابتة المقدار , وما ذكرناه أعلاه ما هو إلا نموذج متوسط للتكلفة , ذلك أن أسعار الحرير والمواد الخام والأيدي العاملة والآليات في تغير دائم , وهي إلى الارتفاع أكثر منها إلى الثبات أو الانخفاض. وكذا عدد العمال يتذبذب حسب متغيرات الأحوال. الستارة الداخلية للكعبة أنشئ قسم خاص في مصنع الكسوة المشرفة , ينتج الستارة الداخلية للكعبة , وستارة الحجرة النبوية الشريفة , ويتم العمل فيه يدويا , حيث يعتمد على المهارة والدقة , والمستوى الفني الرفيع , وقد تم ابتكار وتطوير العمل في مجال اللف والمكائن اليدوية المستوردة. وتمر صناعة الستارة الداخلية للكعبة المشرفة بعدة مراحل ابتداء من إعداد شكل الحرير الطبيعي ومرورا بطباعة الأشكال والخطوط على القماش والتطريز عليها حسب النصوص من الآيات القرآنية وذلك بأسلاك الذهب والفضة . ستارة باب الكعبة الستارة هي البرقع الذي يعلق على باب الكعبة المشرفة من الخارج , وقد وضعت الستارة المنقوشة لأول مرة على باب الكعبة عام (810ه) – (140م) واستمر وضعها منذ ذلك التاريخ باستثناء سنوات 816 – 818ه. وتصنع الستارة من الحرير الأسود , وتبطن بقماش أخضر متين من الحرير , وتكتب عليها آيات قرآنية وزخارف إسلامية مطرزة بتطريز بارز , مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب. وتحت الآيات كتبت بنفس الخط والتصميم عبارة: (صنعت هذه الستارة في مكةالمكرمة , وأهداها إلى الكعبة المشرفة) ثم عبارة (خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود تقبل الله منه) . وارتفاع الستارة ستة أمتار ونصف المتر , وعرضها ثلاثة أمتار ونصف المتر , وتتكون من خمس قطع تجمع رأسيا ثم تبطن بالقماش . حزام الكعبة المعظمة يقع الحزام في الثلث الأعلى من الثوب بعرض (95) سم , كتبت عليه آيات قرآنية بخط الثلث المركب , محاط بإطار من الزخارف الإسلامية , والحزام مطرز بتطريز بارز ومغطى بسلك فضي مطلي بالذهب , ويحيط الحزام بالكسوة كلها , ويبلغ طوله (47) مترا وعرضه (95) سم ويتألف من (16) قطعة . في كل جانب أربع قطع , أما تحت الحزام فتوجد في كل جانب من جوانب الكعبة قطعتان وثلاثة قناديل , ما عدا جهة باب الملتزم ففيه قطعة واحدة كبيرة تسمى الأهداء ليصبح عدد القطع وقنديلا. وفي كل ركن من أركان الكعبة المشرفة , توجد قطع مربعة تسمى الصمدية , وهي سورة الإخلاص , ويكتب على حزام كسوة الكعبة المشرفة من جهاته الأربعة العديد من الآيات القرآنية الكريمة.وعلى العموم فالحزام قطعة فنية باهرة شديدة الخصوصية , تحيط بالكعبة من جوانبها , فتلقي على الثوب بهاء وجمالا وجلالا. أنواع الإنتاج من مصنع الكسوة يجب أن نلاحظ أن الكعبة المشرفة كانت تكسى سابقا مرة واحدة كل عام , ولكن في السنوات الأخيرة أصبحت تكسى مرتين كل عام. وهذا إلى جانب صناعة الثوب الاحتياطي , وبصفة عامة يمكن أن نقول إن مصنع الكسوة يتميز إلى جانب صناعة ثوب الكعبة بتنوع في إنتاجه بما يغطي أكمل الحاجة من ستر وبطائن وأحزمة للكعبة وغيرها , ويتمثل الإنتاج فيما يلي:- عمل ثوب الكعبة الخارجي بكل دقة وإتقان , وهو العمل الرئيسي.عمل الستارة الداخلية بنفس الدقة والإتقان. عمل قماش حرير أسود سادة لصناعة الحزام والهدايا المطرزة.عمل قماش أبيض وأخضر سادة لبطانة ثوب الكعبة وستارتها. عمل ثوب احتياطي كامل عمل أعلام المملكة العربية السعودية طبقا لنظام العلم بالمملكة , وطبقا للمواصفات الموضوعة من قبل الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس , ويمثل تطريز الأعلام نمطا آخر في استخدام آلات التطريز الآلية التي يتميز إنتاجها بالدقة والإتقان. إنتاج الهدايا المذهبة حيث كان المصنع ينتج قليلا من الهدايا الصغيرة الحجم , ثم تضاعف إنتاج هذه الهدايا بنسبة كبيرة عاما بعد عام وذلك لتغطية ما يقدم لضيوف المملكة . وهي عبارة عن بعض الأسماء الحسنى والآيات القرآنية المطرزة بالخطوط الفضية والذهبية. وهكذا فإن كسوة الكعبة المشرفة بأعمالها المختلفة والمتنوعة تتم في مصنع الكسوة القائم في مكةالمكرمة بأياد فنية وطنية. وقد نشرت جريدة البلاد مؤخرا في عددها الصادر يوم الأربعاء السادس من ذي القعدة عام 1418ه أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله قد أمر بتأمين آليات جديدة لمصنع كسوة الكعبة المشرفة الواقع بأم الجود بمكةالمكرمة وذلك في إطار حرصه أيده الله واهتمامه بتفعيل دور المصنع وسرعة العمل به وتحديثه وفق أفضل الأساليب المتطورة. وقد وصلت جميع الآليات وبدأ العمل في تركيبها ونسأل الله له المثوبة في ذلك.