مثقفون يهرولون وراء (الشهرة) "مثقفون يهرولون وراء "الشهرة"!، تحت هذا العنوان طرح عليّ الشاعر والصحفي عقيل بن ناجي المسكين، بعض الأسئلة، ضمن تحقيق صحفي منشور، ولكي يشاركني القارئ الرأي، أُعيد نثر إجاباتي هنا: *هل الشهرة معيار حقيقي للإبداع؟ بداهة أقول: ليس بالضرورة أن تعكس الشهرة صورة حقيقية للإبداع؛ فربما أتت كضربة حظ، فالبعض قد ينالها، لأنه يعمل بطريقة: "خالف تُعرف"، أو بناءً على علاقاته الخاصة بالوسط الإعلامي، أو نتيجة لكونه قريباً من قيادة سياسية أو دينية معينة، أو لأنه ينتمي لعائلة ذات سمعة ونفوذ؛ فكثير من العوامل المصاحبة للإنسان قد تأتي به إلى منصة الشهرة ببساطة، وربما جعلت الأضواء مسلطة عليه لسنوات، وهذا لا يعني أن يستمر من هكذا شأنه طويلاً في موقعه؛ لأن الزبد يذهب جُفاءً، ولا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس. ومن الأمور الطريفة في موضوع الشهرة، أنني قرأت مؤخراً عن مصور اندونيسي اسمه "الهام أنس".. هذا المصور حاز على شهرة واسعة في بلده؛ لأنه شبيه بالرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، وقد ظهر أنس في إعلانات تجارية، ووسائل الإعلام تتبارى للقاء به، والجمهور الإندونيسي يحث الخطى للتصوير والجلوس معه.. ألم نقل أن الشهرة قد تأتي كضربة حظ؟! *ماذا لو كان المتلقّي يفتقد للمعايير المعتبرة للحكم على الآخرين وبالتالي فإن الشهرة التي يضفيها على البعض شهرة في غير محلها؟ وهذه الطامة الكبرى! فنحن في الكثير من الحالات، نُقدِّم المفضول على الفاضل؛ لأننا لا نمتلك القدرة على التشخيص الصحيح، أو لأننا نضع أنفسنا في مواضع أعلى منها. بالطبع نحن لا ندعو المتلّقي أن يكون تبعاً لآراء الآخرين أو ظلاً باهتاً لهم، ولكن نقول له: "ولا تقفُ ما ليس لك به علم"! *وهل يُعطي الكاتب أو المبدع المشهور عطاء يستحق أن ينال عليه هذه الشهرة؟ يفترض أن يقدِّم الكاتب (المبدع) عطاءً يستحق عليه الشهرة، ولكن، بعض المبدعين، بمجرد أن ينال الشهرة، يظل يراوح مكانه. حتى أن أحد المبدعين قال ذات يوم لكاتب ما: عليك أن تكتب كتاباً جيداً، وبعد أن تُعرف به في الساحة، ستتلقف الصحف والمجلات كتاباتك، وستحظى بلقاءات متلفزة، فنصيحتي لك أن تهتم بنتاجك الأول أولاً! وبالطبع من يعمل بهذه النصيحة، سيغدو عطاؤه رتيباً، ولن يحظى بقبول الجمهور؛ فالجمهور اليوم أكثر وعياً وإدراكاً، فمن لا يتجدد في فكره وإبداعه، سيُحال للتقاعد حتماً، وسيهجره القرّاء والمتابعون.. إذاً النصيحة الصحيحة، هي الدعوة للاهتمام بالنتاج الأول وما يليه، فإن كتبنا ما يستحق النشر نشرناه، وإلاّ احتفظنا به في أدراجنا، وبهذا نحافظ على سمعتنا لذا القارئ. *ما رأيك في مَن يغيّر تعامله مع الآخرين بمجرد وصوله إلى الشهرة؟ من يتعالى على الناس هو شخص مريض، بلا ريب، والتعاليم الدينية تقول: "ما من رجل، تكبر، أو تجبر؛ إلا لمنقصة وجدها في نفسه"! والشاعر يقول: تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يعلو بنفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع فالإنسان مهما على سيطه وسطع نجمه، مطلوب منه إن يتواضع للآخرين، وإن لم يتحلَ بهذه الصفة؛ فإن الناس تنفر منه فرارها من الأسد. كما أن التواضع والأريحية في التعامل مع الناس تعكس الروح الجميلة للمثقف، ونحن على علم أن "من تواضع لله رفعه"، والخيار بأيدينا. *وكيف يوفق الكاتب والمبدع المشهور بين واجباته في استمرارية العطاء وبين الحاجات الفعلية التي ينبغي أن يقدمها للمجتمع، بحيث لا يغلّب هذا الكاتب أو المبدع شهرته على حساب إبداعه وعلى حساب المجتمع؟ عندما يضع المبدع، الكتاب بيد، والقلم في الأخرى؛ فإنه سيحافظ على إبداعه، دائماً وأبداً. لكن المشكلة أن كثيراً من كتّابنا لا يقرؤون بعمق، فيكتفي الواحد منّا بحصيلته الأولى ويظلّ يقتات منها، كما تقتات اليرقة على شرنقتها، وإن قرأ البعض فإنه لا يتعدى عناوين الصحف، والكتابات السيّارة الخفيفة، ومنهجية كهذه لا يصِّح أن تكون ديدن المبدعين. كاتب وإعلامي [email protected]