استضاف منتدى القطيف الثقافي مساء الثلاثاء المنصرم الأديب والمفكر محمد العلي في محاضرة بعنوان ( ماهو التاريخ) قدّم لها وأدارها الإعلامي فؤاد نصرا الله. وبدأ العلي محاضرته بالحديث عن المعنى اللغوي لكلمة (تاريخ) قائلاً أن السؤال عن (ما هو) سؤال عن المعنى والمعنى يختلف من مفردة لغوية إلى أخرى فقد يكون ثابتا كأب و أم،ماء، نار، وقد يكون متحولا، أي منزاحاً عن معناه القاموسي إلى معان تتراكم شيئا فشيئا مثل أمة، وطن، ثقافة، حرية، وتسمى المفردة حينئذ مفهوماً، متسائلاً عن موقع كلمة (التاريخ) من هذين النوعين من هذا المعنى. ومضى العلي إلى القول بأنّ المعنى اللغوي للتاريخ هو تثبيت الوقت، أما الاصطلاحي فهو (سلسلة الوقائع الماضية وكيفية سردها)، وتساءل العلي "هل التاريخ فعلاً مجرد تثبيت الوقائع الماضية؟"، ليجيب " لا أبداً، فالوقائع الماضية لا تدخل بنفسها في الذاكرة ليتشكّل منها التاريخ، مؤكداً على ضرورة دخول عنصر الوعي، فهناك آلاف الوقائع لم نعي بها فلم تدخل في التاريخ لأنها تدخل فقط حين نعي بها، مشيراً إلى أنّ الوعي هو جزء من التاريخ ولذا لابد من إضافته إلى التعريف الاصطلاحي ليكون :(التاريخ هو الوعي بالوقائع الماضية وكيفية سردها). وأشار العلي إلى وجود ثلاثة أبعاد للتاريخ هي الحادثة و المؤرخ و الزمن، وتناول العلي خلال محاضرته العديد من الأسئلة التي تثيرها هذه الأبعاد الثلاثة. وقال أن عنصر (الحادثة) يطرح العديد من التساؤلات في مقدمتها "هل وقعت هذه الحادثة فعلا؟ وعلى فرض وقوعها هل هناك سبب لها؟ و إذا كان هناك سبب فما هي الغاية من وقوعها؟ وقبل ذلك وبعده ينطلق السؤال هل يمكن لهذه الحادثة أن لا تقع؟". اما البعد الثاني وهو (المؤرخ) فقال أنّه يطرح عدة اسئلة أخرى لأنّ المؤرخ هو الجسر الذي يوصل إلى معرفة الحادثة " فمن هو هذا المؤرخ؟ وكيف وصل إلى معرفة الحادثة؟ وهل كان متيقنا من وقوعها أم لا؟ و ما هو تفسيره لها ؟" وتناول العلي البعد الثالث من أبعاد التاريخ وهو (الزمن) مبيناً أنه أخطر الأبعاد الثلاثة لأنّه غير ثابت وتتغير خلاله اللغه وسلّم القيم والمعايير الاجتماعية، وأوضح أنّ النظر إلى الحادثة التاريخية برؤية مختلفة عن زمن وقوعها يطرح السؤال التالي: " على أي أساس تقدَّرُ هذه الحادثة مع العلم بأن بعض المقاييس والقيم على الأقل قد تغيرت ؟" وانطلق العلي متسائلاً عن الكيفية التي كتب بها التاريخ، وقال أنّ الراجح ان الصين هي أقدم الأمم في كتابة التاريخ حيث بدأت قبل 3آلاف سنة قبل الميلاد، وقيل انّ الأسبق هم السومريون حيث توجد نصوص من 2750قبل الميلاد، أما اليونان ومنهم هيرودوتوس الذي عرف انه أبو التاريخ فكان متأخراً كثيراً عن هذين التاريخين. وقال العلي أنّ التاريخ كان يدور حول حياة الأباطرة وأعمالهم، وقد أدّى هذا النهج إلى طمس فترات طويلة من التاريخ، لأن بعض الأباطرة يمحو آثار من سبقه ويعتبر نفسه بداية التاريخ، ما جعل التاريخ يبدو متقطعاً فكل حادثة كبيره يبدأ بها التاريخ من الصفر، واستطرد العلي قائلا ً أنّ كلّ أمّه تؤرخ لنفسها هي حتى بين القبائل نشاهد أنّ كل قبيلة تؤرخ لنفسها هي، فنجد مئات البدايات والنهايات للتاريخ، وذكر أن بداية التاريخ القمري كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطّاب فيما تأخّر العمل بالتاريخ الميلادي إلى ولم يعرف إلا في القرن الثالث عشر، وقال أنّ الوثائق أثبتت أنّ الجنوبيين هم أوّل من استخدم التاريخين معاً حيث استخدموا القمري للمواثيق والديون، والشمسي للزراعة. ومضى العلي إلى القول أنّ العشوائية في كتابة التاريخ بين القبائل والأمم المتأخرة والمتقدمة تركت أمام المؤرخين ركاما من الحوادث المتناقضة ودفعتهم إلى التساؤل حول ظواهر التاريخ وإذا ما كانت تقع من طريق الصدفة أم أنّ هناك ضرورة وراء حدوثها؟ وأضاف أن احد التعريفات للتاريخ يرى أن التاريخ هو حاصل الإمكانات التي تحققت أي أن هذه الإمكانات يمكن أن لا تتحقق ويتحقق غيرها فالتاريخ ما هو إلا محض صدفة وقد أيد كثير من المؤرخين هذا الرأي منهم المؤرخ الشهير شبنجلر الذي يقول أن التاريخ مثقل بالقدر خال من القوانين، ويؤيده الفيلسوف ميشيل فوكو الذي يقول أنّ التاريخ فعل ذاتي تماماً كالأدب يعمل فيه الخيال ما يريد وأن كل وثيقة فيه لا تدلّ إلا على نفسها و لا علاقة لها باي وثيقة أخرى. وقال العلي أن هناك فلاسفة ومؤرخون في الطرف الآخر أعادوا أطوار التاريخ إلى قوانين تتحكم في مسيرته، وذكر أنّ أول هؤلاء هو بن خلدون في القرن الرابع عشر، وأشار إلى أن ابن خلدون أول مفكر أحدث منهجه انقلاباً في النظر إلى التاريخ، فقد لاحظ بعمق الأبعاد الثلاثة (الحادثة، والمؤرخ ، والزمن)موضحاً أثر كل بعد منها وما يمليه من شروط ، فالبنسبة للحادثه قسّم التاريخ إلى ظاهر أي إلى شتات من الحوادث المتناثر والى باطن يكمن وراءه قانون يسمى فلسفة التاريخ. وذكر العلي أنّ ابن خلدون قد وضع للحادثة قانوناً يعرف به الصدق من الكذب مستشهداً بقوله " القانون في تمييز الحق من الباطل في الأخبار بالإمكان أو الاستحالة، النظرُ في الاجتماع البشري الذي العمران ولاعلاقة لها باحكام الشرع " موضحاً أنّه يقصد به الاجتماع الحضاري وتمييز ما يلحقه من الأحوال وضبطه للحادثة بقانونها حسب طبيعة الاشياء. واضاف العلي أن بن خلدون لاحظ البعد الثاني وهو المؤرخ فقد لاحظ أن طريقة المؤرخين الذين جاؤوا قبله تعتمد على الإسناد فخطّأهم في خمسة أمور اعتبرها منزلقات لم يستطيعوا التخلص منها وهي التشيّع للآراء والمذاهب والثقة بالناقلين والاعتماد على الإسناد والذهول عن المقاصد والتزلف إلى الحكام، وأضاف العلي أنّ المؤرخ قبل ابن خلدون كان يرى الحادثه منفصلة عن زمن وقوعها وعن غيرها من الحوادث. وأضاف المحاضر ان فولتير أطلق في القرن 18م مصطلح فلسفة التاريخ وأدان كون التاريخ سجلا للأباطرة وأفعالهم وقال أن التاريخ هو سجل النشاط البشري من علوم وفنون وآداب أي كل ما يعنيه مضمون الحضارة وفلسفة التاريخ ويعنى بالبحث في المبادئ العامة التي يخضع لها تطور المجتمعات ويعنى بتفسير التاريخ على ضوء نظرية عامه على انه كلٌ غير منقسم إلى أحداث جزئية وأنه يسير إلى غاية. وقال العلي أنّ البديهية التي تقول أن لكل شيء سبباً هي إحدى شروط قدرتنا على فهم ما يجري حولنا، وقد اختلف المؤرخون و الفلاسفة اختلافا واسعا في تحديد السبب الفاصل وراء سير التاريخ وهناك نظريات تمتد من الميتافيزيقيا حتى الواقع، ومن أهمها النظرية الاقتصادية التي ترى على عكس الثقافية تقول إذا ازدهر اقتصاد المجتمع ازدهر وعيه فالوعي تابع للحالة المعيشية والاقتصادية التي عليها هذا المجتمع, فالثقافة عندهم بناء فوقي اما البناء التحتي فهو الاقتصاد. وأما النظريات الثقافية فهي ترى أنّ المجتمع يتطور بذهنيته فإذا كان وعي المجتمع وعياً متقدماً يتقدّم المجتمع، والنظرية الجنسية التي تقول أن الذي يقدم البشر هو الجنس فلا المال ولا الجاه، بل هي المرأة التي تحدد التقدم والتي تنعدم الحياة دونها. ونظرية البطولة التي ترى أن الذي يحرك التاريخ هو البطل وليس المجتمع وقال أن هذه النظرية ماتت لأنّ المجتمع يخلق أبطاله أما البطل فلا يستطيع وحده أن يعمل شيئاً.