تناول الشاعر والروائي السعودي علي الدميني في ورقة قدمها مساء الثلاثاء الماضي في نادي المنطقة الشرقية الأدبي رواية ( العمامة و القبعة ) للروائي المصري صنع الله ابراهيم وقال أن إستراتيجية بناء النص الإبداعي في روايات صنع الله تنهض على تضافر اشتغالات "تناص" عناصر متعددة ، تعمل على تخصيب بنية النص وتوجيه فاعلية خطابه صوب آفاق قد تلمع مباشرة على السطح، لكنها تحمل في أغوارها العميقة دلالات ثرية ومتشابكة. وتأمل الدميني في ورقته ثلاثة عناصر قال أنها رئيسية اشتغالات صنع الله ابراهيم ويأتي التاريخ كواحد من أهم هذه العناصر ويشمل تدوينات ووثائق تاريخية ذات حمولات متعددة، سياسية ، اجتماعية ، فكرية ، ثقافية. و ما يندرج ضمن ما يسمى بالمعلومة المبثوثة في وسائل الإعلام المختلفة، والمدونات التي أطلع عليها الروائي، وتلك التي عمل على إيهام القارئ بحقيقتها في خطابه الروائي، بما يفتح الباب أمام القارئ للتساؤل عن اشتباكات عديدة حول علاقة الرواية بالتاريخ، وقال أنّ هذه الاشتباكات هي ما تجعل القارئ للنص يتردد في وصفه بأنه كتابة تاريخية أو روائيه. وقال الدميني أن السيرة الذاتية تشكّل ثاني أهم العناصر المهمة في تناول صنع الله إبراهيم وتتمثل في مستواها الأول كحياة عاشها الكاتب واشتغل على إعادة أنتاجها روائياً، فيما يتضمن مستواها الآخر فاعليات المخزون المعرفي للكاتب،وقال أنهّ يحول مخزونه إلى وعي نوعي يوجه بوصلة تشكيل الخطاب الروائي، حتى غدا ظل الروائي (بكل حمولاته الفكرية والسياسية والاجتماعية ) حاضراَ في مخيال استقبال القارئ لإنتاجه. وتناول الدميني في المحور الثالث ما أسماه (الحسية الجسدية ) قائلاً بأنّ المتابع لروايات صنع الله سيلاحظ أن رواياته لا تنشغل غالباً على نسج علاقات الحب التي تنشأ بين المرأة والرجل في خضم حياتهم الاجتماعية، و التي عادة ما تهيؤنا لاستقبال تطورها إلى الحسية الجسدية ،وأضاف أنّ العديد من روايات ابراهيم عمدت إلى توظيف الحسية "الأيروتيكية " بنبرة عالية، دون أية ممهدات وجدانية لها. وقال أنّ الأمر يدعو إلى التساؤل حول الدلالات المختبئة في تلك العلاقات الجسدية، وفيما إذا كان النص الروائي سيعبر فقط عن إمكانية حدوثها – واقعياً أو تخييلياً - في أي زمان أو مكان، أم أن النص يستحث القارئ لقراءة ما يقبع خلفها من حمولات دالة متعددة. وخلص الدميني إلى الحديث عن رواية ابراهيم ( العمامة والقبعة ) وتوقف عند رمزية غلاف الرواية وقال أنّ مصممه اتكأ على إبراز محور تتابعي موجه بسهم من أسفل الجهة اليمنى إلى أعلى الجهة اليسرى للغلاف، فيبدو للقارئ احتضان رجل شرقي لمرأة وهي تتطلع ( رغم الاحتضان ) إلى أفق آخر يخترق منظور عينيها، كما يحمل الغلاف صورة رجل في وسطه يرمز إلى بونابرته وهو يضع يده اليمنى على أخص سمات الحسية الذكورية ، بينما تتكئ على كتف بونابرت الأيمن امرأة مطمئنة إلى وجودها، وهي تنظر بهدوء فاره إلى الأفق البعيد. و أضاف الدميني قائلاً " يمكن قراءة دلالات تلك اللوحة التركيبية على أنها تعبير عن العلاقة المعقدة والملتبسة ما بين السارد( مرموز الشرقي ) في الرواية وبين السيدة الفرنسية " بولين ليسلي فورييه " (مرموز الغرب)، والتي أقامت علاقة جسدية وتعاطفية مع السارد مثلما أقامتها مع " بونابرته"، وهو ما يمكن قراءته بأن الحضارة الغربية، حتى وإن عبرت عن بعض مشاعر الاستمتاع بروحانية سحر الشرق القديم !إلا أنها تبقى متعلقة بمرتكزاتها ومصالحها ، أما بونابرت فإنه ينال من الجميع ، ما يشتهيه ويستلذ به، كشخص وكرمز سلطوي ". وختم الدميني ورقته قائلاً "إن توظيف الحسية الجسدية في الرواية عزّز ما يراه صنع الله إبراهيم من أن الحملة الفرنسية على مصر لم تكن علامة على لحظة تماس تنويري وحضاري بين طرفين ، وإنما كانت حلقة ضمن حلقات المد الاستعماري على دول العالم الثالث، المثقل بفقره المعرفي وصراعات أحماله الثقافية الفائضة عن الحاجة ، و التي ستظل مستمرة، ليس إلى الغد وحسب، وإنما إلى ما بعده ".