العنوان قد يحمل بعضكم ليتساءل: من هو قليل المروءة ميِت القلب الذي قد يقدِم نفسه على أمِه؟! ذلك لأن القاعدة هي أن نفتدي أمهاتنا بأنفسنا وليس العكس الذي هو الإستثناء. لا تستعجل الجواب فبنهاية قراءتك للمقال ربَما تفتح عينيك لحقيقة لا تعجبك. احتفظوا بهذا السؤال في مقدِمة أذهانكم ريثما تقرأون هذه القصًة المنقولة. تداول الناس مقطعا على تطبيقات التواصل يحكي فيه "شيخ" قصَة شقيقين اختصما أمام القاضي في المحكمة العامة في أمَهما. حيث تقدَم الشقيق الأصغر بدعوى ضد شقيقه الأكبر المسن والذي كان حتى تلك اللحظة من يتولى رعاية الأم مطالبا فيها بأن يقوم هو برعاية والدته عوضا عن أخيه لتقدمه في السن وعدم مقدرته على تحمُل أعباء ومشقَة رعايتها. وعندها استدعى القاضي الأم وسألها فأجابت وهي تدمع بأن ولدها الأكبر عينها اليمين والأصغر عينها اليسار ولا تستطيع الاختيار بينهما. فانتقل القاضي ليسأل الشقيق الأكبر عن السَبب الذي يمنعه من تنازله عن والدته مع ظروف عمره ليرعاها شقيقه الأصغر ويتحمَل عنه العناء، فأجاب: أتريدني أن أترك باباً للجنَة..! وتمَ الفصل في القضيَة لصالح الابن الأصغر. دمعت عينا الشيخ وهو يروي القصَة ويتعجَب من مدى بر الشَقيقين في أمِهما ويضرب بهما المثل والموعظة الحسنة. الآن حدِد موقفك من الرواية ثم أكمل القراءة. زاد إصراري للتوقُف عند هذه القصَة بعد أن شاهدت ردة فعل من وصلتهم معي، ولاحقا من أرسلتها لهم لأراقب وأرى مدى تشابه أو تفاوت القراءات والرؤى. تعجَبت من أنهم جميعهم عداي تعاطفوا مع الأخوين كما "الشيخ الراوي" في برِهما لأمهما. وجدت نفسي وحيدة في تعاطفي مع الأم، وكيف استخدماها ولديها كوسيلة تدخلهم الجنَة لا غير، واختصما أمامها غير مراعين لشعورها بإختصامهما والحزن الذي يجلبه ذلك لها وأن اختصامهما بحد ذاته لا يرضي الله، واجترَاها للمحكمة على كبر سنِها وضعفها فقط لأنَها باب للجنَة، فكيف لهما أن يتنازلا عنه ويسمحا بأن تقل فرصتهما في دخول جنَات النعيم. كلنا نريد الجنَة، ولكن هل يا يرى بالغنا في سعينا لها لدرجة ماتت معها قلوبنا ورحمتنا؟ عندما نطعم الفقير ونصل الرحم ونبر الوالدين ونكف الأذى هل دافعنا هو الجنَة فقط؟ ماذا عن انسانيَتنا؟ عندما نعمل الخير و نقول لوجه الله هل هو بالفعل لوجه الله أم للجنَة؟ هل كنَا لنعمل خيراً لولا وعدنا الله بالجنَة ثواباً وأنذرنا بالنار عقاباً..؟ وسؤال أخير لك عزيزي القارئ إن كنت بلا تفكير اعجبت ببر الشقيقين لوالدتهما، هل فكَرت أمك بالجنَة عندما حملتك وهناً على وهن ووضعتك وأرضعتك وسهرت لتشبع جوعك وتطبِب مرضك حتى شاب رأسها وضعف عودها..؟ فلنحذر من أن تموت قلوبنا في طمعنا بالنَعيم..