فيما يلي نص الرسالة / المخطوطة التي كتبها الناقد والمثقف الإشكالي فايز أبّا الى صديقه الشاعر الفقيد عبدالله باهيثم قبل رحيله ( يعود تاريخها الى بداية التسعينات بغير تحديد ) ويبدو أنه لم يرسلها له، حيث وجدناها أنا ومحمود تراوري سنة 2004 بين أوراق فايز، وهي عبارة عن ورقة مكتوبة على عجل، ورغم ذلك ليست بها تشطيبات أو أخطاء وتحتوي على معلومات ثرية عن الفرنكفونية، وطرحاً ينم عن ثقافة رصينة .. هي مذكرة أو رسالة كتبها على عجل كما يتضح ، فليتأمل القاريء عجلة فايز ويتخيله عندما يكتب بروية وتمعن .. أنقلها كما هي بحذافيرها وترتيبها ونقاطها وفواصلها . خالد ربيع السيد نص الرسالة/المخطوطة باليد : الأستاذ فعلا عبدالله باهيثم سلاما يا أجمل من يكتب العمود الصحفي الإبداعي في وطننا البهي . . سلاما يا صاحب العبارة التي تتحرج اللغة من وصفها تأثماً وتحرجاً ووقاراً أيضاً . . لأن عبارتك تنضو الكثير مما يليق بالمحافظين تركه، ولغتنا العربية التي تمنحها أنت حياة في كثير مما تكتب لغة وقور، شابت ذوائبها وتحنطت مفاصلها على أسنة أقلام تعرفها، وتركل أشياءً كثيرة استياءً من زيف هيبتها . أسمع يا أبا أحمد .. لو تركت لمشاعري أن تتسلل لهذا القلم الباركر الرشيق أبوخمسة ريال فاكرو؟ لما انتهت مقدمة تحيتي لك لتفضي الى (اما بعد) . . . فكيف أخاطبك ؟ ؟ هل أنسى قصائدك مثلا وهي جميعها وفي كل مراحل كتابتك تنزوي في الركن الفادح من القلب ، عن السحر الحلال الذي تطالعنا به في أيام الأثنين . . عن ازمنة تداخلت فيها اعضاؤنا وقلوبنا وكل ما هو مبهج منذ الكلية وقهوة الشربيني والدخان ،عن صفحات حررناها في اقرأ وتبرعمت فيها اقلام هي الآن في سويداء مهجة المشهد الثقافي وان كانت بلا ضجيج . . وعن . . وعن الم أقل لك ان الأفضل ان لا أحاول أصلا . أذاً . . . تحية وبعد ما أثقلها يا صديقي ولكن لا مناص ، أردت أن ألفت إنتباهك الى ما دار في ختام زاويتك ( خندق ) في عدد هذا الأسبوع ، ومنها حديثك العابر عن إشكالية الفرنكفونية ،والتي أرجو يوما أن تخصص لها وقتاً أو مساحة أوسع على الأقل رداً على الذين لم تذكرهم . ها أنت ترتكب خطيئتي الأزلية فتلفت الى ما قيل لا الى من قال وقطعاً أنا سعيد بهذه الأولوية للأفكار ، لأن الرجال تعرف بالحق وقلما يعرف الحق بالرجال ، على الأقل في زمننا هذا صدقية النظرة هدفي أن أستبق أي محاولات تعقيب غير نزيهة ومحتملة ! ، أنا بالطبع متعاطف تماماً مع ما استهدفت أن تقوله . . لكنني على خلاف ليس كالذين تخاطبهم مع أصل الفكرة دونما إدانة لأحد : لأن اللغة التي تكتب بها هويتك الثقافية بغض النظر عن بطاقة الهوية ولون ونوع جواز السفر . . أتمنى أن نتحاور يوماً قريباً. المهم أنك في غضبتك أوردت اسم الطاهر وطار و محمد شكري مع الفرانكوفونيين الأخرين ، وهذا كما تتذكر غير صحيح ، على العكس تماماً هو من بين القلائل الذين أصروا على خيار التعريب في جزائر الاستقلال بدءاً من (الشهداء يعودون هذا الاسبوع) ومروراً ب (اللاز) التي كنت تعشقها وكذلك رواية (عرس بغل) التي صادرها مني المناع واصر على استبقائها لشدة اعجابه بها مع أنها نسخة صالح الأشقر ! ثم تتذكر له (الحوت والقصر) ، وأخيرا (تجربة في العشق) عمله التجريبي ، طبعا صعب نسيان المجموعة القصصية ما قبل الأولى حلوة دي (دخان في قلبي)التي قال عنها الياس خوري ان لهذا الكاتب طريقته الخاصة . إذا وطار في الأعمال التي ذكرناها والتي تغيب الآن عن ذاكرتي لم يكتب بالفرنسية حرفاً رغم إتقانه لها ومعه كذلك مواطنه واسيني الأعرج : لعلك ما زلت تذكر (وقائع من أوجاع رجل غامر صوب البحر . . ) و (أحلام مريم الوديعة) و (نوار اللوز) . . الخ . . الخ . وكلاهما ما زال يبدع . . تذكر أننا نسينا زلزال الطاهر وطار ها أنت ترى كم هي المسألة مثرية أدبياَ واثق أنهما كذلك فكرياً كسؤال هوية ثقافية وهي كما أسلفت نقطة خلافية فالأستاذ عابد خزندار مثلاً وهو من هو يرى أن سلمان رشدي مثلا كاتباً هندياً ، أنا أخالفه وأرى إنه إنجليزياً تماماً برغم أنه لم يكتب سوى عمل واحد هو آخر أنه عن شيء تحت قدميها . لم أقرأ من الرواية سوى فصل واحد فقط ، مازلت أنتظر أن تنشر في طبعة شعبية . . المهم أن الخلاف يتمحور حول الكتابة وموضوعاتها . . ومثلما أسلفت يطول الكلام في الجزائر. يمكنك أن تتحدث عن محمد ديب كرائد قاوم الإستعمار بالكتابة بلغته ، وعن مالك حداد ورصيف أزهاره الذي ليس فيه مجيب وعن . . وعن . . لكنك منذ عبدالحميد بن هدوقة والطاهر وطار هو بالمناسبة يرأس الآن اتحاد الكتاب هناك مثلما يرأس أهم جمعية ثقافية عربية . . وما زال يمسك بالجمر مناضلاً ضد الأمازيغي في التعبير البديل وأن كان طبعاً أتاح لهم حق التعبير . . اذا هي زلة قلم في عجلة اللحاق باللاهثة اللعينة . وربما يكون مثال رشيد بوجدرة هو الأكثر دلالة على ما تريد إثارته ، فهو قد عرف جيداً في فرنسا ( مع الجنوكوري الطاهر بن جلون وعبدالكبير الخطيب وعبدالحق سرحانه ( المغاربة ) والمطربة اللبنانية أندريه شديد كاتبة الرواية التي أخذها يوسف شاهين لفيلمه "اليوم السادس" ، والمصري البير قصري أيضاً تذكره ، أخرجت له أسماء بكري فيلم "شحاذون ونبلاء" بعد أن ترجمها محمود قاسم . والقائمة تطول حتى بدون ذكر أهداف سويف و نور الدين فرح المصرية والصومالي اللذين يكتبان بالإنجليزية . رشيد بوجدرة لعلك تذكر حاول الاستجابة لنداء نجوجي وايثو نجو في صرخته تحرير العقل The De-Colonlization of the mind التي طالب فيها مواطنه الأفريقي (الكيني) بالتوقف عن الكتابة بلغة المستعمر لصالح اللغات واللهجات المحلية مما استثار حمية بوجدرة بإعتبار أن لغته مكتوبة لها أبجدية تاريخية . . مقارنة باللهجات الأفريقية التي ليس لها أبجدية ولكن كيف جاءت النتيجة . . لقد كتب صاحب التفكيك والتطلق عملا شديد الضحالة والتفاهة لأنه استجاب لنداء القلب مع اعترافي بقدسيته واهميته لكنك لا تستطيع أن تضغط زرا للتحول الى الكتابة بلغة أخرى اذ يغيب عن المجتهد ان الكتابة تحمل داخل نظمها اللغوي سياقا ثقافياً مغايراً ونمطياً من التفكير متساوقاً معه . أيضاً محمد شكري لم يكتب الا بالعربية التي تتذكر أنه تعلمها بعد الثانية والعشرين مع أنه كان يتقن الفرنسية والأسبانية حين كان أمياً . . صحيح أن أول أعماله (الخبز الحافي) قد صدر بالفرنسية عن أصل عربي بعد أن أقنعه الكاتب الامريكي بول باولز بتعليم القراءة والكتابة . . هو اذا لم يكتب بالفرنسية التي كان يتفاههم بها مع صديقه المارق الاعظم جان جينيه . . كانت الترجمة الفرنسية هروباً من شروط الرقابة وتخيل ان الرواية منعت في القاهرة الجامعة الأمريكية ثم في المغرب ذاتها بعد الطبعة التي لا أذكرها عاشرة أو بعدها . إذا لا علاقة لشكري والطاهر وطار بالفرنكوفونية التي تبقى موضع نقاش بحكم روائع أمين معلوف وبن جلون وسرحان عبدالحق . . أردت فقط أن أثرثر معك بكل الحب بعد أن أوغر صدرك أشخاص علي مرتين لم تكن فيها بكلامي وفي كل الأحوال فأنا أحتفظ حتى بالأعمدة التي شتمتني فيها من صادر عن قلب نبيل ناصع تعجز أشخاص عن فهمه .