أفادت دراسة أمريكية أن حوادث الانتحار التي تزايدت بشكل كبير في صفوف العسكريين الأمريكيين خلال السنوات الأخيرة ليست مرتبطة بالصدمات الناتجة عن القتال، بل هي ناتجة عن أمراض نفسية سابقة، حيث دققت الدراسة الصادرة في عوامل الخطر لدى مجموعة تضم أكثر من 150 ألف عسكري حالي وسابق من جميع فروع الجيش. وتبين بعد تحليل بيانات استمارات الأسئلة ل83 عسكرياً أقدموا على الانتحار بين 2001 و2008 أن بين العوامل المرتبطة بزيادة مخاطر الانتحار، المعاناة من الاكتئاب أو الاضطراب الهوسى الاكتئابي، والإسراف في تناول الكحول أو المعاناة من مشاكل على علاقة بالكحول، غير أن الباحثين لم يجدوا رابطاً بين زيادة مخاطر الانتحار والمشاركة في المعارك، أو تراكم أيام الانتشار أو عدد عمليات الانتشار التي شارك فيها الجنود. وأرجعت الدراسة تزايد نسبة الانتحار بين العسكريين إلى احتمالية انتشار الاضطرابات العقلية لدى هذه الشريحة، وقد يكون هذا الانتشار ناتجاً عن الضغط المتراكم خلال عمليات الانتشار أو في القاعدة الأساسية، ورأى الباحثون أنه من المفترض توفير وقاية أفضل بفضل رصد الاضطرابات العقلية وسوابق استهلاك المخدرات أو الإسراف في تناول الكحول مع توفير علاج نوعي. وبحسب آخر تقرير صادر عن البنتاجون فإن 64% ممن قاموا بمحاولات انتحار لديهم سجل معروف من الاضطرابات السلوكية، ولفت تشارلز أنجل، الطبيب في الكلية العسكرية للعلوم الصحية في بيثيسدا بمريلاند، إلى أن الأبحاث الجديدة تبعث أملا في خفض نسبة الانتحار بين العسكريين. هذا وقد وصل عدد حالات الانتحار بين أفراد الجيش الأمريكي إلى مستوى قياسي في عام 2012 ليصل إلى 349 حالة، مما أثار مخاوف بشأن الصحة النفسية للعسكريين. وأشارت صحيفة "ستارز آند سترايبس" المعنية بشؤون الجيش إلى أن عدد حالات الانتحار في عام 2012 فاق في الواقع عدد الجنود الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في القتال بأفغانستان خلال نفس الفترة، وأكدت سينثيا المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) هذا العدد، الذي يظهر ارتفاعاً في معدل مثير للقلق بالفعل لحالات الانتحار التي يقدم عليها أفراد بالجيش، وكان تقرير لوزارة الدفاع بشأن حالات الانتحار ذكر أن عدد المنتحرين بلغ 301 في عام 2011، مقابل 295 في عام 2010. وينشر التقرير سنويا منذ عام 2008. جدير بالذكر أن النفس البشرية تتمتع بالعديد من الآليات النفسية أو الميكانزيمات الدفاعية التي تساعد على الخروج من حالات الإحباط واليأس، ويتميز الإنسان الذي يتمتع بالصحة النفسية بدرجة من المرونة أو ما يعني القابلية للتكيف والتعايش مع تغيير أنماط الحياة وتغيير أساليب التفكير مثل التفاؤل، وممارسة سلوكيات إيجابية وصحية كالبعد عن التعاطي وممارسة الرياضة وإنشاء العلاقات الاجتماعية وتوفير وسائل الترفيه والأنشطة للتكيف والتغلب على أزمات الحياة، كما يتمتع الشخص بدرجة من الصلابة النفسية وتحمل الإحباط، وخلق معنى للحياة ولوجوده فيها. أما في حالات الانتحار فتفشل هذه الآليات وتستلم النفس البشرية للصراعات وتتجه لحلول جذرية للمأزق الذي تعيشه والذي يتمثل في اللجوء إلى الانتحار.