عادل بن عبد العزيز المحلاوي لابد لكل صائم أن يستحضر نعمة الله عليه بإتمام الصيام والقيام , ومن تمام شكرك لربك أن تجعل من نهاية شهرك حياة جديدة ملئها الطاعة، ومعاملة صادقة صالحة مع الله ، واستأنف عملك فقد كُفيت ما مضى ولكن الشأن فيما بقي . واعلم أن للطاعة أثرها البيّن على النفوس , وسلطانها القوي على القلوب , فهي تدفعها للخير دفعاً , وتكفها عن الشر كفاً , إذا أداها المرء كما أمر الله تعالى , كم من إنسان استقام بعد رمضان , وكم تبدلت أحوال خلق من آثار الصيام . استأنف عملك أيها الصائم فالطاعة لا انقضاء لها ولا انتهاء إلا بالموت ، والمؤمن يرتقي بالطاعة ,ويرى أنه مقصِّر في جنب الله تعالى مهما تقرّب إليه-وأي طاعة تُوفي بحق الكريم سبحانه - وهو المُنعم المتفضل أولاً وآخرا , فهو المُوفِق للطاعة ابتداءً والمتفضل بالقبول انتهاءً . تذكر فضل كل طاعة عند انقطاع عملك , وانتهاء أجلك , واعلم أن طول عمر المؤمن لا يزيده إلا خيرا .وكن على يقين أن كل طاعة ترقيك وترفعك درجات عند مولاك , فكم من طاعة بعد رمضان كانت سببا في نزول العبد منازل الأبرار المتقين , وكم نعرف من أشخاص كانت هدايتهم بعد رمضان , فهي عطاء من الله – وعطائه لا يُحد - بل اسموا بهمتك بعد رمضان للانتقال من مرحلة العمل القاصر على النفس ,إلى أن تكون منار هدى للناس , وسببا في دلالة غيرك إلى طريق الرشاد .كم تعذر متعذر عن العمل الصالح , وزين له شيطانه أنه غير قادر عليه , ولا يمكن له أن يكون من أهله , فجاء رمضان ليُزيل عنه هذا اللبس , ويرفع عنه تلك الغشاوة , ليُصبح في رمضان عبداً صالحاً , يتقرب إلى الله بالطاعات , يصوم مع الصائمين , ويقوم مع القائمين , بل ويعتكف وينصرف للطاعة انصرافاً تاماً وإن كانت لا تظهر عليه آثار الاستقامة , ليزداد المرء يقيناً أن شعب الإيمان في القلب كبيرة في نفوس المسلمين .تُرى تلك الصور ليقال للشيطان اندحر , ولعباد الرحمن افرحوا بهذه الصور , وخذوا بأيدي إخوانكم إلى كل خير . واعلم أن الله لم يكلفنا فوق طاقتنا , بل الطاعات سهلة وميسرة لمن طلبها بصدق , فكن من أهلها . فكثير من الناس يشكون من صعوبة العمل الصالح عليهم , ولا نُنكر المشقة في بعضه , فالجنة حُفت بالمكاره , ومع ذا فإن العبد إذا داوم عليه هان عليه , والواقع خير شاهد , فإنك تجد من نشأ على الطاعة صارت ميسرة عليه , وقد وُفقت للطاعات هذه الأيام ,فاجعل من هذا درساً لك , على قدرتك عليها , وتأهلك أن تكون من أهلها , ولا تكن أظلم الناس لنفسك , بحرمانها من الانتساب لأهل التقى والصلاح . استأنف عملك أيها الصائم , وعالج كل نقص بالتوبة والاستغفار ، فأنت لا تعدوا آدمياً ضعيفاً من طبعك الخطأ والتقصير , ومهما حاولت في تكميل ذاتك يبقى التقصير من طبعك , وليس هذا تهويناً للوقوع في المعصية , ولكنه بياناً للحال , وإيضاحاً للعلاج ,فعلاج تقصيرك هو الاستغفار الدائم في كل وقت وآن . استأنف عملك أيها الصائم, واثبت عليه فإنما الأعمال بالخواتيم ، وتذكر أنه كلما داومت على الطاعة , وُفقت لحسن الختام , ومن رحمة الله أن من خُتم له بعمل صالح كان ذلك دلالة على حُسن خاتمته , عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الحاكم في المستدرك، ومن مات على عمل صالح كان من أهل الجنة .