اعتاد المسؤولون أن يعطوا المواطن نصف الإجابة، إما تعبيرا عن استخفافهم بحقوق المعرفة، أو لأنهم لا يمتلكون المبرر لكي يفعلوا ما فعلوه. في المقابل فإن نصف الحقيقة التي حصل عليها المواطن، كانت نتيجة طبيعية لنصف السؤال الذي اعتاد المواطن على طرحه في كل مرة يحتاج إلى المعرفة الكاملة.وفي معظم الأحيان التي استخدم فيه المسؤولون نصف الحقيقة للإجابة عن نصف السؤال كانت النتيجة فوضى لا متناهية استمرت وما زالت مستمرة. هذه النتيجة أدت إلى أن امتلأت معظم الصحف والمجلات والإذاعات حتى التلفزيون بإنصاف الحقائق وأرباع المعلومات.وبالتالي فإن تراجع المعرفة لم يكن حصيلة قسمة السؤال على الإجابة بقدر ما كانت نصف الإجابة مطروح منه نصف السؤال، وعليه فقد كانت النتيجة ان الإجابة في واد والسؤال في واد آخر مختلف. بينما الواقع لا علاقة له بما يدور في وسائل الإعلام. لا شك ان حق المعرفة أو ما يعرف بحق الحصول على معلومة التي تحدثت عنه كافة القوانين لم يكن في حال من الأحول معضلة أمام الرأي العام بالقدر الذي يشكل خوفا دائما أمام المسؤول الذي يحاول باستمرار تغليف الكذب بأجزاء من الحقيقة. إن التعامل المجزوء والانتقائي على الأسئلة الحائرة ، أدت إلى ضياع المعرفة، وضياع المعرفة بدوره، تسبب في هذا الاضطراب المزمن، الذي أصاب عدة بوصلات بالعطب، بحيث اصبحت الحقيقة كذبا والخيال جزءا من الواقع والصورة السوداء ناصعة البياض والصوت المبحوح فائق الوضوح، فيما انقلبت الحقائق رأسا على عقب.وفي الوقت الذي لا يمكن فيه تبرير هذا التطاول على الحقيقة، لا يمكن تبرير السكوت عن تراكمات أخرى مثل الظلم والفساد والانحراف، كل هذه قواسم مشتركة ستؤدي الى ضغط كبير يتلوه انفجار.ولكن في النهاية يبقى البحث عن الحقيقة أمام هذا التراكم الهائل من التزوير معضلة يصعب تفسيرها لأمة تميزت بالشجاعة في الحق.