الناظر في كيفية نشوء النظام الرأسمالي وتشكله يرى انه كان سقيماً في أساسه وفي طريقة معالجاته من أول يوم حيث كان أساسه ردّة فعل غرائزية على الظلم، ثم كان حلاً غير مبنيٍّ على العقل عندما توصل المفكرون ورجال الدين إلى الحلّ الوسط في بناء النظام الجديد، (فالحلّ الوسط) ليس حلاً مبنياً على عقل سليم، لأنه توسط بين أمرين متناقضين متنافرين متباعدين. لقد كان من أبرز هذه النظم النظام الاقتصادي الذي يهدف إلى تكثير رأس المال في المجتمع بأية وسيلة دون انضباطٍ بأخلاق ولا قيم، وفي نفس الوقت ينظر إلى توزيع الثروة في المجتمع عن طريق أداةٍ وحيدة هي (جهاز الثمن) .. وهذا الأمر ولّد أموراً كثيرة في المجتمع جلبت الدمار والخراب في داخل المجتمعات الرأسمالية وخارجها. حيث كانت الشركات العملاقة والبنوك التي تنهب ثروات الناس تحت عنوان حرية التملك وتنميه والانتفاع بالملك، وكان التفاوت الطبقي الكبير نتيجة سيطرة الأغنياء على الثروات فأصبح نسبة 1-2% في المجتمعات الرأسمالية يسيطرون على أكثر من 98 % من ثروة المجتمع، و 2% من الطبقة الباقية من الثروات توزّع على 98% من باقي الشعب، أما في سياسة الدول الخارجية فكان الاستعمار وكانت الحروب، وكان مص دماء الشعوب الضعيفة، وانتشرت فوق ذلك الجرائم والأمراض الفتاكة كالإيدز نتيجة ارتباط عقول الناس بالمنافع والأموال وعدم ارتباطهم بالقيم والأخلاق، فأصبح مرض الإيدز ينتشر بالملايين في مجتمعات الغرب، وأصبحت الجريمة تقاس بالثانية الواحدة في أرقى عواصم الغرب في نيويورك وغيرها .لذلك نشأت المشاكل والأزمات في النظام الرأسمالي منذ نشأته وتكوّنه، وصارت تكبر وتزداد مع امتداد هذا النظام وتوسّعه، فكان من مظاهر هذه الأزمات -في أوائل النشوء في القرن التاسع عشر- أزمة الأجور وساعات العمل في أمريكا حيث استمرت إضرابات العمال فترةً طويلة حتى توصّلوا بعدها إلى حلّ وسط في تحديد الأجور وساعات العمل .. وكان بعد ذلك أزمة الكساد العظيم في بدايات القرن العشرين سنة 29، وكانت أزمة الحروب الطاحنة للسيطرة على الأسواق ورؤوس الأموال فكانت الحرب العالمية الأولى ثم الثانية التي حصدت أكثر من 20 مليون إنسان، ثم كانت أزمات الصراع الدولي الساخن والبارد بين الدول العظمى، وتسابق التسلح من أجل الردع وإنفاق المليارات على ذلك، وتخلّل هذه المرحلة الاستعمارُ العسكريّ لكثير من بلاد العالم من أجل رؤوس الأموال، ثم حصلت الأزمة الحالية في بدايات القرن الواحد والعشرين حيث بدأت بأزمة الرهن العقاري، وامتدت كالنار في الهشيم حيث جلبت على العالم الدمار الاقتصادي وخسارات تقدر بأكثر من 60 تريليون دولار حتى سنة 2011 ، عدا عن انهيارات في مؤسسات مالية كبيرة، وازدياد عدد الفقراء وازدياد عدد المهددين بالموت جوعاً، وما زالت الأزمة تضرب وتنفلت نارها، ويحاول قادة الغرب إطفاءها والسيطرة عليها لكن دون جدوى. إن امتداد هذه الأحداث -الحاصلة اليوم تعود جذوره إلى بداية نشوء الرأسمالية، وإلى طبيعة نظامها السقيم، وليست مجرّد احتجاج على ناحية واحدة فقط، وقد ظهر هذا الأمر في كثير من كلام المحتجّين، والحقيقة أن الاحتجاجات ليست الأولى ضد النظام الرأسمالي ومظاهره في الحياة العملية، ولكنها الأولى بهذا الزخم وبهذه الطريقة في الاحتجاج في رفض النظام الرأسمالي من أساسه؛ فقد كانت تجري احتجاجات سابقاً في مناسبات عديدة ، فكانت تقوم على المناداة لمحاربة البطالة وتحسين الأوضاع والعمل على علاج مسألة النقد العالمي، والمناداة لمحاربة المجاعات والفقر، أما هذه المرة فكانت مميزة في أنها ضد النظام الرأسمالي ابتداءً. فهذه الأحداث في أوروبا وأمريكا لم تأت من ردة فعل أيام أو أشهر إنما هي امتدادٌ لسنوات طويلة من رؤية الفساد ومعايشته، وامتدادٌ للمعاناة الطويلة والفساد، وهي تنظر إلى الخلاص؛ لذلك كان التعبير صريحاً بالانعتاق من الرأسمالية، والأمر ربما لا يبعد كثيراً عمّا جرى في الاتحاد السوفيتي السابق وانحلال منظومته، وانحلال حلف وارسو ولكن بطريقة مختلفة قليلاً من حيث أن الثورة قد ظهرت مرةً واحدة في روسيا بعد أن وصل الأمر إلى حدّ الانفجار .. فكانت النتيجة أن انهار النظام الاشتراكي نهائياً، وذهب إلى غير رجعة، وتحول كثيرٌ من دوله إلى النظام الرأسمالي، وانضموا إلى منظوماته السياسية كما جرى في دول البلطيق عندما انضمت إلى الاتحاد الأوروبي .. فهل تملك الدول الرأسمالية حلولاً شافية لهذه المشاكل، فتخمدَ هذه النيران المشتعلة، والحقيقة أن المبدأ الرأسمالي لا يملك أي حلٍّ لمثل هذه الأمور، وليس عنده أيُّ أحكامٍ تتعلق بمعالجة الأزمات الاقتصادية سوى التخلي عن مزيد من مبادئه وأفكاره، وبعبارة مختصرة ( المبدأ الرأسمالي مبدأ عقيم ) لا يستطيع معالجة الأزمات.