نعلم جميعاً أن العقل البشري يشبه إلى حد كبير جهاز الكمبيوتر, وذلك في عمليات استقبال ومعالجة وتخزين المعلومات ؛ فالعقل البشري يسترجع ويستعيد البيانات التي اختزنها بالذاكرة-قصيرة المدى كانت أم طويلة-عندما يجد ما يساعد على إستدعائها في المواقف التي تتطلب تجميع المعلومات والخبرات والتفاعل التلقائي مع القوالب المحسوسة في البيئة المحيطة. فالعمليات المعرفية التي يتعرض لها عقل الإنسان تزيد من قدرة الفرد على المعرفة بشكل تراكمي , وذلك من خلال ربط المعلومات القديمة بالمعلومات الجديدة التي هي أساساً موجودة في الذاكرة, والتي ستؤثر على معلوماته في المستقبل لأنها ستعلب دوراً رئيساً في سلوكه تجاه المثيرات المحيطة. بمعنى آخر, إن الإنسان ينشأ مع العمليات المعرفية التي يتلقاها في محيطه الأسري ومجتمعه , وان كل ما يتعرض له من خبرات في مرحلة الطفولة يؤثر على البناء المعرفي لذاته مستقبلاً , والذي يجسده ويعبر عنه لا شعوراً في شكل السلوك العام وردود الأفعال قولاً وفعلاً أو بما يظهره من إتجاهات ويبديه من ميول تجاه الغير . وهذا ما يجعلنا نهتم بعملية اكساب المعرفة لأطفالنا منذ الصغر , و نصب اهتمامنا بالتعليم بالدرجة الأولى, لأننا نسعى إلى إكساب أبنائنا تعليميا جيداً ومثالياً لصقل وتكوين شخصيات قادرة على التعامل مع الواقع بصورة إيجابية وسليمة في المستقبل. ولا يمكن إغفال دور الأباء في مسيرة التربية التي ينشأ في كنفها اطفالنا وبخاصة في مرحلة النشأة الأولى , التي هي بمثاية العمود الفقري للبناء والتكوين الذي نسعى لتحقيقه من خلال سلالم البناء , والتي يجب ان تكون مجهزة بكافة احتياجات الطفولة الأساسية لخلق إنسان سوي قادر على مواجهه العالم الخارجي . ولكن هل اشباع حاجات الطفل الفسيلوجية والسيكولوجية كافياً لتحقيق ذلك الهدف الذي نصبو إليه دون تشويش أو تعكير من مؤثرات خارجية ؟ إن للعوامل الخارجية تأثيراً سلبياً اكثر منها إيجابية على نفسية الطفل وسلوكه العام, وقد تكون تلك العوامل خارج حدود المنزل كالمدرسة ورياض الأطفال, ولعل التلفزيون والمادة الإعلامية التي يطرحها هي أشد تأثيراً من غيرها على سلوك الطفل بحسب نتائج الدراسات التي أجريت في هذا المجال , فتلك المادة الإعلامية التي يتعرض الطفل لمشاهدتها ساعات طويلة في المنزل سواء من برامج ومسلسلات كارتونية, وفي طياتها لا تحمل هدفاً تربوياُ او تعليمياً واضحاً ومحدداً, هي شبيهه بالوجبات السريعة التي تسد الجوع من جهه, ولكنها تضر بالجسم على المدى البعيد اذا زاد تناولها عن الحد المعقول. وقد أصبحت مسلسلات الكرتون التي تعرض على القنوات الفضائية وألعاب الكمبيوتر التي يقتنيها الأطفال تشكل خطراً كبيراً على التربية , لما تحمله من مشاهد غارقة بالعنف من خلال شخصيات الكارتون التي تعبر عن القوى الخارقة بشكل مبالغ فيه , وسيناريوهات قصص الانتقام والانتصار على العدو , ناهيك عما تحمله من محتوى يتنافى مع قيمة التسامح وأخلاق الإسلام. وكأن التحفيز على العنف هو ما يجعل الطفل منجذباً للشخصيات الكارتونية دون غيرها. إن مخاطر المادة الاعلامية التي يتعرض لها الطفل من خلال الرسوم المتحركة أو الدراما التلفزيونية لا تظهر بشكل مباشر وفوري على سلوك الطفل , لأنها ترسل إشارات إلى عقل الطفل الذي لا يميز الحقيقة من الخيال وتظهرتدريجاً في شكل السلوك العداوني الذي يمكن تمييزه وملاحظته على الطفل من خلال ميوله لإنتقاء نوعية العابه , وعلاقاته مع قرنائه في المدرسة. كما أن مشاهدة الطفل لبرامج التلفزيون لفترات طويله دون رقابة تساهم في خلق شخصيات سلبية وغير متعاونة , وغيرها من السلوكيات والنتائج النفسية غير المرغوب فيها . من هنا يكون على أولياء الأمور دور مهماً لا يقتصر فقط على التربية والتعليم كما ذكرنا في بداية هذا الطرح, والجهود التي تبذل لترسيخ القيم والمبادئ التربوية في أذهان الأبناء يجب أن تكون مضاعفة في زمننا الحالي , ولا تقل أهمية عن الإهتمام بالصحة النفسية للأطفال , وذلك نظراً لكثرة المؤثرات الخارجية وبالأخص العنف الإعلامي الذي اكتسح القنوات الفضائية , وان حماية الطفل لا تقتصر على الرقابة الأسرية , فالتربية يجب تشمل الإعلام , وذلك بتنمية مهارات الطفل للتعامل الإيجابي مع وسائل الإعلام وانتقاء برامج ذات نوعية جيدة ومناسبة لمراحل الطفولة الأولى , والتي من شأنها تنمي قدراتهم على التفكير وتمنحهم الثقة , فالإعلام كوسيلة للمعرفة قد تكون أداة بناء وتنشئة او اداة هدم وتدمير لكل جميل نزرعه خاصة في الطفولة المبكرة . [email protected]