(فخامة الرئيس).. مصطلح عاش في ذهنية معظم أفراد الشعب بكل فئاته في مصر على أنه أشمل من مجرد لقب رئاسي لا يحتمل أكثر من سحنة التقدير والاحترام للدور المناط بكرسي الرئاسة إلى تجسيد شمولي لشتى صنوف التبجيل والقداسة ليس للمنصب وحسب؛ بل تعداه إلى شخص الرئيس بغض النظر عن سيرورة الرئاسة وآليات الحكم لديه. لكنه – على ما يبدو – أُزْهق على يد الثورة وغدا هذا المفهوم أثراً بعد عين. معلوم أن الثورة الشعبية في أي مكان على هذا العالم واستناداً لما حكاه لنا التاريخ ساحقة لكل تراكمات الحقبة السياسية التي سبقتها، وثورة ال 25 من يناير ليست نشازاً عنها، بل أجزم أنها لم تقم إلا لتجب كل ما قبلها، ومنها مفهوم (فخامة رئيس) أو لنقل أسطورة الرئاسة المقدسة، التي عبَّر عنها عادل إمام في مسرحيته «الزعيم» بقوله وهو يدعو ربه بلسان حال الشعب: «ربنا يخرب بيت اللي بيكره فخامة الزعيم؟؟ وكمان اللي بيحبه وجواه بيكرهه!! وكمان اللي بيحبه وهو جواه بيحبه بس اللي جنبه بيكرهه»، هذه الميثولوجيا الذهنية لا شك أنها تهالكت وذوت على اسفلت ميدان التحرير ولن تعود أبداً مهما كانت عبقرية الجديد وعدالته. لن تعود الأيام التي كان فيها فخامة الرئيس أسطورة الحق واليقين والطمأنينة، فقد تحطم هذا القالب منذ أن سيق فخامته إلى قفص المحاكمة نهاراً جهاراً في سابقة لم يعهد مثلها الشارع المصري والعربي عموماً، فالشعب هو من يحاكم ويحاسب لا فخامته، ولعل هذا هو بؤرة الحطام!! الشعب الذي بادر لتحطيم نمطية فكره وهشم زجاجة الوهم والتقديس لرئيسه يحاكمه! مع أنه ذات الشعب الذي لطالما هتف له في البر والبحر وعلى كل شبر من أرض الكنانة، وهو ذات الرئيس الذي كان معظمهم متيقناً يقيناً لا يخالطه ذرة من جدل أن قرارات فخامته لا يأتيها الباطل أبداً مهما كانت نتائجها مريعة، وأن فخامته الحكيم الذي لا تلامس حكمته قشة من ريبة أو شك، يتجرد من كل هذا على يد الشعب وكأن الشعب أراد من خلال هذا السيناريو غير المألوف أن يعطي درساً استباقياً لمن تسول له نفسه خلافتها ونفسه تروم لملذة السلطة بذات النكهة قبل الثورة، ولعل الفنان محمد صبحي أراد أن يوصل هذه الحقيقة بمنتهى الصراحة والوضوح هذه الأيام حيث التأهب على أشده لقطف أولى ثمار الثورة من خلال انتخابات تعددية نزيهة وحرة بمنأى عن نفوذ السلطة وتدخلاتها السافرة، بقوله الساخر عبر برنامج الإعلامي معتز الدمرداش (مصر الجديدة: «منصب الرئاسة لم يعد مطمحاً، فقد أصبح منصباً طارداً، فالرئيس المقبل يجب أن يستعد لكي يكون مهزءاً.. إذا غلط ح نضربه بالجزمة».