تعيش البشرية مأزقا حياتياً لم تعهده من قبل ، بل إن هذا المأزق قد ولّد أزمة كبرى لدى العقل البشري جعلته عاجزا عن الإدراك والوعي بقيم الحياة ومفاهيم الوجود ، حيث تتجلى هذه الصورة أكثر من خلال بعض العقليات التي تفهم الحياة بالمقلوب عن طريق سعيها الحثيث إلى استبدال الهدى بالضلالة ، ومن خلال عملها جاهدة على إخراج أصحابها عن الطريق السوي والمنهاج القويم غير عابئة أن تزل أقدامهم عن سبل الفضيلة التي كانت ولا تزال العنوان الأبرز في بوابة الحياة الهادئة والطمأنينة والخير،بل إن من ملامح هذه الأزمة " التي لا أعتبرها فكرية بالدرجة الأولى لأن لها ثلاثة أبعاد مهمة ومتداخلة ( ثقافي واجتماعي واقتصادي ) " ذلك الإصرار العجيب من البعض على الانزلاق في منحدرات الخطيئة بكل ما تحمله الكلمة من معنى . هذه العينة من البشر تفهم الحياة إما سكون وتقوقع وانطواء على الذات دون اكتراث بما ينتج عن هذا السلوك من ضياع للعمر وللغاية من وجودنا في الحياة المتمثلة بإعمار الأرض وملؤها بالحب والحركة والسلام ، وإما أن يكون مفهومها عكس ذلك تماما أي طغيان وجور وظلم للنفس وللآخرين ، يقاتلون بكل إمكانياتهم العقلية والمادية من اجل الاستحواذ على كل شيء وحرمان الآخرين من كل شيء غير مكترثين بما يولّده هذا التفكير المتطرف من حقد وغل في القلوب قد يؤدي في حالة استفحاله إلى غرس ثقافة الكراهية بين الناس وربما بين الشعوب والأمم ، بل لتجدن أكثرهم غير عابئين بأنين وآهات البؤساء والمحرومين وصراخ الأيتام . وإذا كان هذان الطريقان أو النهجان غير صالحين للحياة التي أرادها الله أن تكون في أرضه ، وأرسل الأنبياء والرسل ليهدونا سبل الرشاد وإفشاء السلام والانتصار لقيم العدل والمروءة والمحبة فإن الحاجة تكون أكثر إلحاحا إلى البحث عن طريق ثالث يخرج البشرية من هذا المأزق وهذه المادية التي لا تؤمن بالقيم الأخلاقية السوية ، التي للأسف أضحت مسيطرة سيطرة تامة على عقليات كثير من الناس من مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية الذين أصبحوا يشعرون بعذابات نفسية وخواء روحي شديد ناتج عن هذا الهيجان المادي في كل شيء ، وهذا الطريق لعمري أراه قريبا منا جميعا ولكن التفكير السريع والإبهار البصري الذي يحيط بنا من كل الاتجاهات منعنا من إدراكه والإمساك به ، وحتى لا أطيل أقول : إن هذا الطريق ما هو إلا الوسطية والإيمان بالقيم الروحية التي تمثل لنا طاقة هائلة تجدد ما بلي منا فكرا وجسدا وسلوكا ، وتمنحنا القدرة على الحياة في ظل رؤى إنسانية نبيلة للحياة والكون.